[البحتري وصفة من صفاته في الشعر.]
ـ[السراج]ــــــــ[03 - 02 - 2010, 06:40 ص]ـ
(ومن الطريف أن البحتري يحاول مخاطبة كل خليفة بما يوافق طبيعته، فإن كان الخليفة عابثاً امتدح عبثه، وإن كان زاهداً أثنى على زهده. ففي مدحه المتواكل نراه يقول محدداً فلسفته في العيش:
هل العيشُ إلا ماء كرم مُصفّقٌ=يُرقرقهُ في الكأسِ ماءُ غمامِ
وعودُ بنانٍ حين ساعد شجْوَهُ=على نغم الألحانِ نايُ زُنامِ
على حين يقول في مدح المهتدي الذي كان متديناً زاهداً في اللهو:
هل الدينُ إلا في جهادٍ تَقُودُنا=إليه عِجالاً، أو صَلاةٍ تُقيمُها
تَقضَّتْ ليالي الشهرِ إلا بقيّةً=تهَجّدُ فيها جاهداً أو تقُومُها
وأيسَرُ ما قدّمتَ لله طالباً=لمرضاتِهِ أيامُ فرْضٍ تصُومُها
هجرتَ الملاهي حِسْبَةً وتفرُّداً=بآياتِ ذِكْرِ الله يُتلى حكيمُها
وأخْلّلتَ باللذاتِ وهي أوانسٌ=مَرابعُها مُستحسناتٌ رُسُومُها
وما تَحْسن الدنيا إذا هي لم تُعَنْ=بآخرةٍ حسناءَ يبقى نعيمُها
)
(شعر البحتري – د. خليفة الوقيان)
وقد لا أبالغ إن هذه الصفة – وصفات أخرى - هي التي جعلته يمتدح ستة خُلفاء من الخلفاء الثمانية الذين عاصرهم البحتري.
فهذا التنوّع في لمس رغبات الخلفاء والتلوّن في كشف أهواء الإنسان، والربط الرائع بما يناسب كل خليفة جعل البحتري يتقرّب كذلك من المنتصر (قاتل أبيه) والذي كان – أبوه – يستأثر بالبحتري دون سائر الشعراء فكان هو شاعر البلاط عند الخليفة المتوكل.
ـ[السراج]ــــــــ[07 - 02 - 2010, 09:33 م]ـ
صفة أخرى ..
(وقد حفل شعر البحتري بمشاهد ومناظر لم يقدّر لغيره من الشعراء أن ينعم بها، وأن يصفها وصفاً قوامه المشاهدة والخبرة المباشرة. ومن هنا يمكن القول إنه أرّخ لنا جانباً من حياة عصره الاجتماعية، كما أرّخ لنا جانباً مهما من حياته السياسية)
د. محمد مهدي البصير: في الأدب العباسي
عدّ النقاد المحدثون البحتري الشاعر الأكبر في فن الوصف، حيث وصف مظاهر الحضارة ومباهجها وكل ما يتصل بها بعناية فائقة ودقة لفظ بحكم معايشته ومعاينته لتك المظاهر وليس أدلّ على ذلك وصفه لبركة قصر المتوكل. فميزة تقريبه من قبل الخلفاء - وبالأخص المتوكل – جعله يرى المشاهد حقيقية في الجوانب السياسية من جهة والجوانب الاجتماعية، كما برع في مشاهد الطبيعة.
والوصف هو الغرض الذي رفع شعر البحتري وجعله يطير في الآفاق شعراً عذباً ووصفاً دقيقاً ..
فيقول عند وصف بغداد:
شغَلَتْ بغدادُ شوقي عن قُرى=عند " ميثاء " و " عُرْضٍ " و " أرَكْ "
منزلٌ لي بالعراق اخترتُه=لم يَشُبْ حُرّ يقيني فيه شكْ
وإذا دجلةُ مدّت شأوها=وجرت جَرْي الُّلجين المُنْسبكْ
عارضتْ ربعي بفيضٍ مُزْبدٍ=بين أمواجٍ تسامى وحُبُكْ
يتكفّا النخلُ في حافاتها=بالقَمارِيّ تُغَنّي أو تُبَكْ
حُنِيتْ تلك العراجينُ على=لؤلؤٍ غضّ وخُوصٍ كالشُّرُكْ