تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأدب الإسلامي أَدَبُ التَّفَاؤُلِ، وَالأَمَلِ

ـ[د/علي اليعقوبي]ــــــــ[14 - 02 - 2010, 10:53 م]ـ

الأدب الإسلامي أَدَبُ التَّفَاؤُلِ، وَالأَمَلِ

د/علي يوسف اليعقوبي

لقد حَرِصَ الإسلام أَشَدَّ الحِرصِ عَلَى أَن يُشَيِّدَ البِنَاءَ النَّفسِيَّ تَشيِيدًا قَوِيًّا وَمُحكَمًا، يَقِفُ فيِ مُوَاجَهَةِ تَقَلُّبَاتِ الحَيَاةِ، مُعَزِّزًا ذَلِكَ بِرَصِيدٍ عَقِيدِيٍّ ضَخمٍ، وَمَدعُومٍ بِجَمِيلِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ (: r)، وَحُسنِ الظَّنِّ بِهِ سُبحَانَهُ، انطِلاقًا مِن قَاعِدَةِ: مَا أَصَابَكَ لَم يَكُن لِيُخطِئَكَ، وَمَا أَخطَأَكَ لَم يَكُن لِيُصِيبَكَ، فَالتَّفَاؤُلُ يُشَكِّلُ شَحنَةً رُوحِيَّةً ضَخمَةً لِلمُسلِمِينَ، تَنثُرُهَا عَلَيهِمُ الكَثِيرُ مِنَ الآيَاتِ الكَرِيمَةِ، وَالأَحَادِيثُ الشَّرِيفَةُ، فَإِنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً * إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرا (1)، وَعَن مَالِك عَن زَيدِ بنِ أَسلَمَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ يَذكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِن الرُّومِ، وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنهُم، فَكَتَبَ إِلَيهِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ:: r أَمَّا بَعدُ فَإِنَّهُ مَهمَا يَنزِل بِعَبدٍ مُؤمِنٍ مِن مُنزَلِ شِدَّةٍ يَجعَل اللَّهُ بَعدَهُ فَرَجًا وَإِنَّهُ لَن يَغلِبَ عُسرٌ يُسرَينِ (2)، وَالآيَاتُ، وَالأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فيِ هَذَا المَجَالِ، "وَلَقَدِ انعَكَسَت هَذِهِ الصُّورَةُ عَلَى الأَدَبِ الإِسلامِيِّ، فَتَرَعّرَعَ هُوَ الآخَرُ فيِ أَجوَاءٍ كُلُّهَا أَمَلٌ، وَتَفَاؤُلٌ .. ، رَغمَ السَّلبِيَّاتِ الوَاقِعِيَّةِ التِي يُعَانِي مِن مَرَارَتِهَا الأَدِيبُ صَبَاحَ– مَسَاءَ .. ، وَلا يُعتَقَدُ أَنَّ هَذَا التَّفَاؤُلَ يَندَرِجُ ضِمنَ أخلاقِيَّاتِ البُورجوازِيَّةِ، التِي لَم تَكتَوِ بِنِيرَانِ الطَّبَقاَتِ الدُّنيَا .. ، فَيُوصَمُ الأَدَبُ الإِسلامِيُّ بِمَا هُوَ مِنهُ بَرَاءٌ، وَتَكفِي الإِشَارَةُ هُنَا إِلَى أَنَّ الأَدِيبَ الحَقَّ هُوَ الذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَهتَمُّ بِقَضَايَاهُم .. يَفرَحُ لِفَرَحِهِم، وَيَحزَنُ لِحُزنِهِم" (3)، وَيُشِيرُ الأَستَاذُ أنورُ الجنديُّ إِلَى أَنَّ الثِّقَةَ بِاللهِ، وَالإيمَانَ بِأَنَّهُ لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى؛ هِيَ مَصدَرُ التَّفَاؤُلِ فيِ الأَدَبِ العَرَبِيِّ، وَهَذَا مَا يَفتَقِرُ إِلَيهِ الإِنسَانُ الغَربِيُّ، حَيثُ سَادَ التَّشَاؤُمُ جُلَّ مَدَارِسِهِمُ الفِكرِيَّةِ، وَالأَدَبِيَّةِ، "نَتِيجَةَ مَا يُطلَقُ عَلَيهِ الخَطِيئَةُ الأَصلِيَّةُ، وَمِن ثَمَّ ظَهَرَت آثَارُهُ عَلَى الآدَابِ، وَالفُنُونِ، وَالفَلسَفَةِ، وَالأَخلاقِ" (4). هَذَا وَلا يُمكِنُ الإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ الخَصَائِصِ التِي يَتَمَيَّزُ بِهَا الأَدَبُ الإِسلامِيُّ، لأَنَّهَا تَتَعَدَّدُ، وَتَتَّسِعُ، بِاتِّسَاعِ رُقعَةِ الفِكرِ الإِسلامِيِّ نَفسِهِ، وَامتِدَادِهِ الأُفُقِيِّ الضَّخمِ، وَقَد تَنَاوَلَهَا العَدِيدُ مِنَ البَاحِثِينَ بِالدَّرسِ، وَالبَحثِ، كُلٌّ مِن وجهَةِ نَظَرِهِ، وَمِن زَاوِيَةِ تَفكِيرِهِ، بَينَ مُسهِبٍ مُتَوَسِّعٍ، وَمُقتَصِدٍ مُختَصِرٍ، وَمِنهُ هَذِهِ الخَصَائِصُ التِي لَم نُعَرِّج عَلَيهَا، وَلَم نَتَنَاوَلهَا بَالتَّوضِيحِ، وَإِلقَاءِ الأَضوَاءِ عَلَيهَا، وَمِنهَا: الصِّدقُ – الوُضُوحُ – الإِيمَانُ – الأَخلاقُ – البُرهَانُ – الحُرِّيَة ذَاتُ الضَّوَابِطِ – ثَبَاتُ القِيَمِ – تَرَابُطُ الفَردِيَّةِ، وَالجَمَاعِيَّةِ – تَرَابُطُ العِلمِ بِالعَمَلِ – أَصَالَةُ الاستِجَابَةِ – الذَّاتِيَّةُ – الاعتِرَافُ بِرَغَبَاتِ الإِنسَانِ – الارتِبَاطُ بِالمِيرَاثِ – التَّجرِيبُ – الفِطرَةُ– تَرَابُطُ العُرُوبَةِ وَالإِسلامِ – قَوَامَةُ الرَّجُلِ – تَكَامُلُ المَعرِفَةِ – الوَسَطِيَّةُ (5)، وَمِن هَذِهِ الخَصَائِصِ التِي لَم نَتَعَرَّض لَهَا أَيضًا، أَنَّهُ: أَدَبُ الوَاقِعِ الذِي يَرَاهُ الأَدِيبُ مِن خِلالِ العَقِيدَةِ – أَدَبُ العِلمِ – أَدَبُ أَجيَالٍ مُمتَدَّةٍ– أَدَبٌ عَزِيزٌ لا يَذِلُّ – أَدَبُ الجِهَادِ – أَدَبٌ لُغَتُهُ العَرَبِيَّةُ التِي اختَارَهَا اللهُ (سبحانه) – أَدَبٌ نَامٍ مُتَطَوِّرٌ (6)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير