تائية كثيّر عزّة. . .
ـ[بل الصدى]ــــــــ[22 - 12 - 2009, 01:31 ص]ـ
إنّها ذوب قلبٍ فطّره الحبّ فانسلّت منه ألحانٌ حزينةٌ عذبةٌ هادئةٌ.
إنّها رصدٌ دقيقٌ لصراعٍ مؤلمٍ أقطابه: القلب و العقل من جهةٍ، و صروف الدّهر و رغبات النفس من جهة ٍ أخرى.
فيها: استيقافٌ و استبكاءٌ، وحنينٌ وألمٌ، و فيها شوقٌ و يأسٌ، وإذعانٌ و اصطبارٌ.
و فيها: بوح نفسٍ حرّةٍ عشقت و ألمت، و بذلت فأوفت، لكنّها سُلّيت فتسلّت!!
وموضوعها غير جديد، بل هو مسبوق و مطروق، وصياغتها تمثّل صورةً مبكّرة للقوافي الملتزمة، فصاحبها قد التزم قبل حرف الرويّ فيها " حرف اللام " على امتداد أبياتها.
و لكنّ الآسر فيها: صوت العقل الذي تغمره العاطفة فيخفت، ثمّ يعود ليعلو من جديد في مدٍ و جزرٍ فريد يأخذ بمجامع نفسك فتعيش ألم الشاعر و تأرجحه بين حبّه و عِزّة نفسه، إذ تجده يبوح بشوقه، و يشكو لواعج قلبه، و يتذكّر زمان الوصل و صدّ الحبيبة، ثمّ ينثني بتسلية نفسه ليعزّيها.
استمع إليه و هو يخاطب عزّة فيقول:
فقلتُ لها: يا عزُّ كل مصيبة=إذا وُطنتْ يومًا لها النفس ذلّتِ
و لم يلق َ إنسانٌ من الحبِّ ميعةً=تعمّ ولا عمياءَ إلا تجلّتِ
و يقول:
فإن تكن العتبى فأهلًا و مرحبًا=و حقّت لها العتبى لدينا و قلّتِ
و إن تكن الأخرى فإن وراءنا=منادحُ لو سارت بها العيسُ كلّتِ
و يقول - أيضا -:
فيا عجبًا للقلب: كيف اصطباره؟! =و للنفسِ لمّا وُطّنت: كيف ذلّتِ؟!
بل إنّ صوت العقل هذا ليقوى عنده و يضجّ حتى يكون مسك الختام لمقطوعةٍ فريدة زادها ألقًا لهيب العاطفة و انقياد نواصي المعاني و إذعان الألفاظ، ليدقّ سبكُها على لسان شاعرٍ متمكّن يقول في ختامها:
فإن سأل الواشون: فيمَ هجرتها؟ =فقل: نفسُ حرٍّ سُلّيت فتسلّتِ!
و للحديث بقيّة. . .
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[22 - 12 - 2009, 02:54 ص]ـ
فإن سأل الواشون: فيمَ هجرتها؟ =فقل: نفسُ حرٍّ سُلّيت فتسلّتِ
أستاذتي الفاضلة بل الصدى
السلام عليك ورحمة الله وبركاته وبعد
موضوع رائع متميز وجهد واسلوب جيد متمكن .. تشكرين عليه ..
أرجو أن تتقبلي مني هذا الاستفسار ..
الأبيات جاءت على غير الترتيب الذي ورد في قصيدة الشاعر كثير عزة ..
خاصة مسك الختام هو البيت الثاني عشر وجاءت أبيات مما ذكرت بعده ..
كيف ذلك .. أم لديك قصد آخر لم يصلني معناه (مجرد استفسار)
فائق الاحترام والتقدير ..
ـ[أبو سارة]ــــــــ[22 - 12 - 2009, 10:27 ص]ـ
يا سلام
سلم يراعك أستاذتنا
اختيار موفق جذاب، حقيق بالمتابعة والإعجاب.
و للحديث بقيّة. . .
منتظرون متشوقون
ـ[فهد عبد الرحمن الصلوح]ــــــــ[22 - 12 - 2009, 12:45 م]ـ
إنّها ذوب قلبٍ فطّره الحبّ فانسلّت منه ألحانٌ حزينةٌ عذبةٌ هادئةٌ.
إنّها رصدٌ دقيقٌ لصراعٍ مؤلمٍ أقطابه: القلب و العقل من جهةٍ، و صروف الدّهر و رغبات النفس من جهة ٍ أخرى.
فيها: استيقافٌ و استبكاءٌ، وحنينٌ وألمٌ، و فيها شوقٌ و يأسٌ، وإذعانٌ و اصطبارٌ.
و فيها: بوح نفسٍ حرّةٍ عشقت و ألمت، و بذلت فأوفت، لكنّها سُلّيت فتسلّت!!
وموضوعها غير جديد، بل هو مسبوق و مطروق، وصياغتها تمثّل صورةً مبكّرة للقوافي الملتزمة، فصاحبها قد التزم قبل حرف الرويّ فيها " حرف اللام " على امتداد أبياتها.
و لكنّ الآسر فيها: صوت العقل الذي تغمره العاطفة فيخفت، ثمّ يعود ليعلو من جديد في مدٍ و جزرٍ فريد يأخذ بمجامع نفسك فتعيش ألم الشاعر و تأرجحه بين حبّه و عِزّة نفسه، إذ تجده يبوح بشوقه، و يشكو لواعج قلبه، و يتذكّر زمان الوصل و صدّ الحبيبة، ثمّ ينثني بتسلية نفسه ليعزّيها.
استمع إليه و هو يخاطب عزّة فيقول:
فقلتُ لها: يا عزُّ كل مصيبة=إذا وُطنتْ يومًا لها النفس ذلّتِ
و لم يلق َ إنسانٌ من الحبِّ ميعةً=تعمّ ولا عمياءَ إلا تجلّتِ
و يقول:
فإن تكن العتبى فأهلًا و مرحبًا=و حقّت لها العتبى لدينا و قلّتِ
و إن تكن الأخرى فإن وراءنا=منادحُ لو سارت بها العيسُ كلّتِ
و يقول - أيضا -:
فيا عجبًا للقلب: كيف اصطباره؟! =و للنفسِ لمّا وُطّنت: كيف ذلّتِ؟!
بل إنّ صوت العقل هذا ليقوى عنده و يضجّ حتى يكون مسك الختام لمقطوعةٍ فريدة زادها ألقًا لهيب العاطفة و انقياد نواصي المعاني و إذعان الألفاظ، ليدقّ سبكُها على لسان شاعرٍ متمكّن يقول في ختامها:
فإن سأل الواشون: فيمَ هجرتها؟ =فقل: نفسُ حرٍّ سُلّيت فتسلّتِ!
و للحديث بقيّة. . .
قصيدة جميلة، فيها كثير من الحزن، والألم، والشجون، وهذا هوحال شعراء الغزل العذري، مشاعرهم فياضة بالأسى، والشوق، والحنين، حبهم خالد لا ينتهي، يبقى العذريون على حبهم إلى آخر لحظة في حياتهم، حب تلتقي فيه الأرواح المتآلفة، حتى لو افترقت الأجساد، تبقى الذكرى، والبكاء،على أطلال الحبيبة. حتى أن كثيراً لم يكن يعرف البكاء ولكن حبه لعزة علمه البكاء، يقول ومشاعره تكتض بالألم:
خليليّ هذا ربع عزة، فاعقلا قلوصيكما، ثم ابكيا حيث حلت
ومسا تراباً كان قد مس جلدها وبيتاً وظلاً حيث باتت وظلت
وما كنت أدري قبل عزةماالبكا ولا موجعات القلب حتى تولت
للمزيد من التفصيل حول قصة هذه القصيدة، ارجع لكتاب الأغاني، لأبي فرج الأصبهاني، وكتاب جمهرة روائع الغزل في الشعر العربي، للدكتور كمال خلايلي.
¥