شغَب مع أبي العلاء - تعب كلّها الحياة ..
ـ[السراج]ــــــــ[04 - 01 - 2010, 10:37 ص]ـ
السلام عليكم ..
وجدها مناسبةً أبو العلاء، مناسبةً لانطلاق قُصاصاته الموسومة بسواد نظرته للحياة ونشر أغربته العُصما – كما بثّ في ثنايا شعره الكثير من ملامح التشاؤم شأنه في ذلك شأن ابن الرومي ولكن أبا العلاء أكثرَ.
كان تأثير العمى (الذي سمّاه سجنه الأكبر) قاد إليه سجنا آخر هو بقاءه في بيته وحيداً. وهذان السجنان عجنا وكوّنا في فكره لوحة تشاؤم بل تعدّت اللوحة لتصبح فلسفةً وفكرا.
في هذه المناسبة – وفاة فقيه صديق لأبي العلاء واسمه أبو حمزة – فسحةً للتعبير ومساحةً للفلسفة وجد الكثيرون من الأدباء أنها مقاربة للواقع في كثير، وهي إن اتسمت بالسواد لكنها – وبحق – تمثل الكثير مما نشأنا عليه في الفكر الإسلامي
من ثوابت فكأنه – شاعرنا – أراد تنبيهنا من هذه الدنيا الغرور.
سنختار هذه الأبيات من القصيدة الطويلة ونبدأ تجزئتها ونثرها:
غيرُ مجدٍ في ملّتي واعتقادي=نوح باكٍ ولا ترنم شاد
صاح هذي قبورنا تملأ الرُح=بَ فأين القبور من عهد عاد
خفف الوطء ما أظن أديم ال=أرض إلا من هذه الأجساد
سر إن اسطعت في الهواء رويداً=لااختيالاً على رفات العباد
رُب لحدٍ قد صار لحداً مرار=اًضاحكٍ من تزاحم الأضداد
ودفينٍ على بقايا دفين=في طويل الأزمان والآباد
فاسأل الفرقدين عمّن أحسّا=من قبيلٍ وآنسا من بلاد
كم أقاما على زوال نهار=وأنارا لمدلج في سواد
تعبٌ كلها الحياة فما أع=جب إلا من راغبٍ في ازدياد
إنّ حزناً في ساعة الموت أضعا=ف سرورٍ في ساعة الميلاد
أنفق العمر ناسكاً يطلب العل=م بكشفٍ عن أصله وانتقاد
مستقي الكف من قليبِ زجاجٍ=بغروب اليراع ماء مداد
ذا بنانٍ لا تلمس الذهب الأحم=ر زهداً في العسجد المستفاد
ـ[السراج]ــــــــ[04 - 01 - 2010, 05:43 م]ـ
غير مجدٍ في ملتي واعتقادي=نوح باكٍ ولا ترنّم شاد
يبدأ الشاعر قصيدته على غير المألوف عن شعر الرثاء، فهنا يبدأ بصياغة (نظرية) في اعتقاده. وهو ما يسير عليه في القصيدة رغم بروز النظرة الإسلامية وإشارات برّاقة تدور حول ثقافة الموت.
في هذا البيت، الإشارة تكون للشطر الثاني الذي استطاع الشاعر مساواة طرفين – نقصد مساواة لفظية – أو بلاغية، ومن خلالها اختصاراً لنظرته التي بدأ بها أو قدّم لها في الشطر الأول على أنها اعتقاده، فماذا يقول؟
فهو لا يتساءل ولا يتحيّر بل يؤكد أن الحزن لا يجدي شيئاً ويثير دهشتنا حين يرفقُ الفرح مشاركاً له كظلّه! فهو كذلك لا يجدي ولا ينفع.
والشاعر – بخبرته الشعرية – استطاع تحريك معجمه وإثارة مجمع ألفاظه ومكانها المسودّ غالباً فيلتقط ما يلائم الموقف لكن بشيء من الجمال بشيء من البلاغة رغم الغيوم الداكنة التي ترتفع فوق حواجبه وما يقاسيه من فقدٍ للفقيه الحلبي
فأتى (نوح باك) التي لخصناها بكلمة الحزن، رغم أنها تزيد روابط الصوت والصورة على المشهد بعكس كلمة الحزن (العامة)، فالشاعر – العبقري – مزج الصوت (نوح) بالصورة (باكٍ) فغدتْ صورة متكاملة (وقليل من ينتبه لذلك) صورة متكاملة غير منفصلة. وهذا ينطبق على الصورة المغايرة أو الطائر الأبيض الذي يرفرف فرحاً.
ـ[ترانيم الحصاد]ــــــــ[05 - 01 - 2010, 04:23 م]ـ
غير مجد في ملتي واعتقادي
نوح باك ولا ترنم شاد
وشبيه صوت النعي إذا قيس
بصوت البشير في كل ناد
رثى أبو العلاء أباه وأمه وطائفة من الناس، وفي ديوانه سبع مراث،
وفي أغلبها حزن وتفجع لأنها أحزان شخصية وليست تعزية.
وأجود ماله في الرثاء الدالية التي أبَّن بها أبا حمزة الفقيه الحنفي،
لقد كان من طبيعة الشعراء أن يسخروا شعرهم لمشاعرهم الخاصة، ويسخروا عواطفهم تجاه من يحبون أو من يمحدون طمعا بالمال وغيره.
أما أبو العلا المعري فقد نسف بهذا، وضرب به عرض الحائط ليقف أمام جوهر الحياة الذي من أجله انشق القمر.
فاهو أبو العلاء يقف أمام باك قد امتلأت دموعه بالبكاء من فجيعة الموت، فهو جرد من نفسه شخص آخر ((أسلوب تجريد)) فيقول له: غير مجد أي غير نافع بكائك، فاحبس دموعك فهذه عقيدتنا قد أخبرتنا أن الموت لا فرار منه، وأن البكاء لا يفيد، فاصبر، واحتسب الأجر.
وكأن أبا العلاء ينصرف عن هذا الباكي الذي رفع صوته بالبكاء، فيقول:
سبحان الله!
هذا يرفع صوته بالرجعى، وذاك يرفع صوته بالشرى
وهذا مثبور، وذاك محبور.
وهذا سعيد، وذاك حزين.
يا لهذه الدنيا العجيبة أفلا تستحق التأمل والوقوف قليلا للتأمل والخوف من الله والاستعداد للرحيل؟!
يستهل الشاعر قصيدته استهلالا يحمل طابع اليأس والتشاؤم، فتراه يقول:
إن نوح الباكي يستوي -في اعتقاده- مع غناء الشادي الفرح.
و إن صوت الناعي الذي يحمل نبأ الموت إليه لا يختلف عنده عن صوت البشير الذي يزف إليه نبأ سارا
فسرعان ما تتحول البشارة بالمولود مهما طالت حياته صراخا عليه حتى لكأن الصوتين متشابهين صوت البشرى وصوت الصراخ
الأبيات خبرية تقصد إلى إظهار التشاؤم
¥