تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[هكذا كتبوا عن الصعاليك .. فما رأيكم]

ـ[نبراس المعالي]ــــــــ[18 - 12 - 2009, 02:37 م]ـ

[هكذا كتبوا عن الصعاليك .. فما رأيكم]

لعله من الصعوبة بمكان أن نجزم بأن الشعر العربي الذي ينسب إلى الصعاليك قد أُلّف من قبل هؤلاء الشعراء الذين ينسب إليهم فعلاً، فمع أنَّنا لا ننكر أن هذه الظاهرة الشعرية قد انتشرت خلال العصر الجاهلي، وأن هذا الشعر نظم من لدن شعراء جاهليين، إلا أننا نرى أن بعض هذا الشعر ليس بالضرورة من هؤلاء الصعاليك الذين تحدثت عنهم كتب التاريخ الأدبي، والروايات المنقولة، وإنما نسب بعضه إليهم نسباً، لاسيما ذلك الشعر الذي يروج للقصص الخيالية التي تتأرجح بين المغامرات التي لا يتصورها العقل، والحجة في ذلك أننا نجد شعر الصعاليك مبعثراً في ثنايا كتب الرواة، فضلاً عن الاختلاف البين في نسبة هذا الشعر الذي وصلنا بوساطة الرواية الشفوية، وفي ذلك ما يجعلنا نتحفظ في مثل تلك الأشعار المنسوبة إلى الشنفرى وتأبط شراً وعروة بن الورد والسليك بن السلكة وغيرهم، بيد أننا سنعالج هذا الشعر في ضوء الصورة التي وصل بها إلينا قصد الوقوف عند خصائصه الفنية ومثله المتضاربة.

لقد حفلت المصادر العربية التي عنيت بجمع التراث الشعري العربي الجاهلي بتدوين نتف من أشعار الصعاليك، حيث لم نحصل على جل هذا الشعر مطبوعاً في دواوين مستقلة، ولكننا نجده متناثراً في الأغاني للأصفهاني وفي الحماسة لأبي تمام، وفي كتب أخرى متفرقة، فضلاً عن بعضه المطبوع في دواوين مثل شعر تأبط شراً، ومما يسترعي الانتباه أن شعر الصعاليك يمثل مستوى فنياً راقياً مما يجعلنا نميل إلى عدّه من عيون الشعر الجاهلي مبنى ومعنى، وبذلك يمكن أن نسجل التساؤل التالي: هل مثَّل الصعاليك نخبة مثقفة أعلنت ثورتها وتمردها على مختلف الأصعدة الاجتماعية والفكرية والسياسية، أم أن الأمر لا يتعدى مجموعة من قطاع الطرق ولصوص الفيافي؟

ويبدو أن جزءاً من الحقيقة يتوفر في الشق الأول من التساؤل السابق، في حين يحتوي الشق الثاني من التساؤل نفسه على الجزء الآخر من هذه الحقيقية، ذلك أن المجتمع الجاهلي هو مجتمع قبلي يمثل مجموعة من القيم غير المستقرة، ومن ثم لا نتصور أن أهله قد بلغوا تلك المرحلة من النضج الفكري والاجتماعي، الذي يجعلهم يجتمعون ويضعون مشروعاً اجتماعياً وسياسياً بديلاً عما هو سائد، وفي الوقت نفسه ليس صحيحاً ما ينقل عن هؤلاء الصعاليك على أنهم مجرد قطاع طرق يتحينون الفرص لاقتسام الغنائم دون وازع من ضمّير.

فحين نطلع على أشعار الشنفرى، وتأبط شراً، وعروة بن الورد، والسليك بن السلكة، وغيرهم، نجد ظاهرة شعرية لا تنم على أنَّ أصحابها مجرد صعاليك، ولكنهم يمثلون فئة اجتماعية مستنيرة راعتها المظالم الاجتماعية والتجاوزات القبلية، فأعلنت ثورتها وتمردها على بعض تلك القيم الجائرة، مثل استفحال ظاهرة الغنى والفقر، وما يترتب على ذلك من مظالم، في ضوء ما ظهر في المجتمع الجاهلي، من صراع طبقي وعرفي، ولو على مستوى ضيق نسبياً، ومن ثمة صور هؤلاء الشعراء تلك الأوضاع السائدة، برغم ما اكتنف هذا التصوير من مبالغة وتطرف، وما أضفوه من أخيلة مجنحة أحياناً.

ونتفق مع من يذهب إلى أن ظاهرة الصعلكة ظلت غير واضحة المعالم بشكل مطلق، لأن ما وصل إلينا من أشعار هؤلاء الصعاليك ـ على الرغم من أنه قد يفي بالحاجة إلى تكوين فكرة عامة عن أهدافهم ومشاربهم وأخبارهم ـ إلا أن ذلك يفرض تساؤلاً آخر له علاقة بالتساؤل السابق، فهل اعتنى الرواة ـ مثلاً ـ بجمع جميع أشعار الصعاليك، أم أنهم اقتصروا على جمع شعر المشهورين منهم فحسب، ولا شك أنه تكمن وراء ذلك حقائق عدة، من ضمنها أن هناك جوانب فنية وموضوعية غابت بغياب تلك الأشعار، لأن الرواة إمَّا أنهم لم يطلعوا عليها أصلاً، أو لأنَّها لا تنسجم مع ميولهم وأهدافهم لسبب من الأسباب، ثم إن هؤلاء الشعراء مثلوا تمرداً وخروجاً عن المجتمع، ولم يقيموا كبير وزن لقبائلهم، ومن ثمة فإن هذه القبائل لفظتهم ولم تحفل بأشعارهم، ومن هنا ضعفت وسائل الاتصال بين الصعاليك وقبائلهم، مما جعل المنتوج الشعري يضيع في أعماق الصحراء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير