[تحليل لقصيدة العودة وفق المنهج البنيوي]
ـ[أسامة الشبانة]ــــــــ[17 - 02 - 2010, 01:51 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وكفى, وصلاة وسلاما على النبي المصطفى , وعلى من سار على دربه واقتفى , أما بعد:
الشاعر إبراهيم ناجي أحد الشعراء في العصر الحديث , وهو من الشعراء الذين انضموا لمدرسة أبوللو , ويعد إبراهيم ناجي شاعرا وجدانيا رقيقا , ذاتي المنزع رومانسي المنحى.
نلتقي معه هنا في دراسة لقصيدته العودة , التي قالها في وصف دار محبوبته ,والتي يعدها النقاد من روائع الشعر المعاصر , ويقول د. محمد مندور (أحسبها من روائع النغم في الشعر الحديث).
إن النقد النّصي يدور على لغة النص كعنصر أساسي لتشكيله. و هذا النمط من النقد يستمد قواعده الأساسية من اللسانيات , و يبقى الشّكليّون الرّوس ثمّ البنيويّون هم المصدر الرئيس لنظريات النقد الصّوري و لشروحاته و تطبيقاته.
من هذا النقد سوف أسير في هذا التحليل وفق المنهج البنيوي الذي يجعل النص مادته ومساحته ,ثم هو يربط النص برباط ممتد من العلاقات المتداخلة في النص وهذا كله في سبيل تفسير النص واستخراج دلالته.
ولكل منهجه في التحليل البنيوي , فبعضهم يميل لجعل دلالات القصيدة في نفسها فقط من واقع الدلالات اللغوية الموجودة فيها بعيدا عن الإطار الخارجي للقصيدة , ومنهم من يحاول إيجاد غور مصطلحات البنى ذات المعنى الذي يحيط بالشاعر.
وأتصور أن كل هذه الطرق في سبيل تفسير مقصد القصيدة , وتوضيح دلالتها للقارئ , فلا ضير إن اتبعنا سبيلا مادام هناك استخراج لبنى أساسية للقصيدة نفسها , وكل ذلك وفق المنهج البنيوي.
القصيدة:
هذه الكعبةُ كنّا طائفيها والمصلّين صباحاً ومساءَ
كم سجدنا وعبدنا الحسنَ فيها كيف باللّه رجعنا غرباء
دارُ أحلامي وحبّي لقيتْنا في جمود مثلما تلقى الجديدْ
أنكرتْنا وهْي كانتْ إن رأتْنا يضحك النورُ إلينا من بعيدْ
رفْرَفَ القلبُ بجنبي كالذبيحْ وأنا أهتف: يا قلبُ اتّئدْ
فيجيب الدمعُ والماضي الجريحْ لِمَ عُدنا؟ ليت أنّا لم نعد!
لِمَ عُدنا؟ أَوَ لم نطوِ الغرامْ وفرغنا من حنين وألمْ
ورضينا بسكون وسلامْ وانتهينا لفراغ كالعدم؟!
أيها الوكرُ إذا طار الأليفْ لا يرى الآخرُ معنًى للمساءْ
ويرى الأيام صُفراً كالخريفْ نائحات كرياح الصَّحراء
آهِ مما صنع الدهرُ بنا أَو َهذا الطللُ العابس أنتَ!
الخيالُ المطرقُ الرأسِ أنا؟ شدَّ ما بتْنا على الضنك وبتَّ!
أين ناديكَ وأين السمرُ أين أهلوكَ بساطاً وندامى
كلّما أرسلتُ عيني تنظرُ وثبَ الدمعُ إلى عيني وغاما
مَوْطِنُ الحسن ثوى فيه السأمْ وسرتْ أنفاسُه في جوِّهِ
وأناخ الليلُ فيه وجثمْ وجرَتْ أشباحُه في بهوهِ
والبِلى! أبصرتُه رأيَ العيانْ ويداه تنسجان العنكبوتْ
صحتُ يا ويحكَ تبدو في مكانْ كلُّ شيءٍ فيه حيٌّ لا يموتْ!
كلُّ شيءٍ من سرور وحَزَنْ والليالي من بهيجٍ وشَجِي
وأنا أسمع أقدامَ الزمنْ وخطى الوحدةِ فوق الدرجِ
رُكْنِيَ الحاني ومغنايَ الشفيقْ وظلال الخلدِ للعاني الطليحْ
علم اللّه لقد طال الطريقْ وأنا جئتكَ كيما أستريح
وعلى بابكَ أُلقي جعبتي كغريب آب من وادي المِحنْ!
فيكَ كفَّ الله عنّي غربتي ورسا رَحْلي على أرض الوطن!
وطني أنتَ ولكنّي طريدْ أبديُّ النفيِ في عالَم بؤسي!
فإذا عدتُ فللنجوى أعودْ ثم أمضي بعدما أُفرغ كأسي!
التحليل:
يمكننا عند التأمل في القصيدة أن نستخرج بنى قد ظهرت في هذا النص , فمثلا بنية القوة والضعف ظاهرة في النص, ويتجلى ذلك في تعبير الشاعر لحاله وحال دار حبيبته , حيث نرى كلمات تدل على الضعف الذي يعيشه الشاعر , وقوة الحب الذي سيطر عليه , مما جعله يعبر عن نفسه بعبارات تدل على ذلك , فإشارته لذاته كالذبيح , ولومه لنفسه على العودة لتلك الدار , التي لم يشاهد فيها حبيبته , بل ذكرته بالذكريات الجميلة التي زادت من حسرته وألمه دليل على ضعفه.
كما نجده يصف نفسه بالوحدة , والوحدة ضعف , والاجتماع قوة , كما نجد دموعه تعبير عن ضعفه البالغ الذي هو متنفسه الوحيد ووصفه لنفسه بالعاني والطليح ففيها الضعف جليا حيث أن المتعب والمرهق يحتاج إلى مساعدة , والمحتاج ضعيف.
¥