ـ[ترانيم الحصاد]ــــــــ[28 - 12 - 2009, 11:47 ص]ـ
أسعدك الله أخي الحبيب السراج
وأسعدك الله أختي الفاضلة ترانيم
صاحب ابن المقفع هذا افتراضي وأنا أعرف صاحبا واقعيا سأورد عنه بعض الأمور ثم أسأل جميع الإخوة والأخوات
صاحبي أم صاحب ابن المقفع؟
ذلك الرجل أعرفه بشخصه ولم أعاشره لكني أعرف صديقا قد عاشره منذ ربع قرن وما يزالان ويحدثنا صاحبنا دائما عنه ونستعيد الحديث منه بعد كل فترة فيقول:
عرفته جارا ثم زميلا فوالله ما أذكر أنه اغتاب أحدا أو سبّ أحدا أو اختلف مع أحد أو كان في قلبه على أحد شيئا أو كان في قلب أحد عليه شيئا وهو فوق هذا ملتزم بدينه محافظ على واجبات ربه أشد محافظة وبَرّ بوالديه ولم يجعله ربه جبارا عصيا وهو مخلص في عمله أيما إخلاص فوالله ما تضيع منه الدقيقة في العمل في غير وجهها المطلوب من غير أن يثقل على زملائه أو يحرجهم أو يجرحهم وما ابتدأ أحدا بعتاب أو بنصيحة إلا أن تكون عارضة فيجعلها عامة ولا يشعر جلساءه إلا بالارتياح إلى كلامه الهادئ وما جالس أحدا فآذاه بتلميح أو تصريح أو غمز أو همز أو بتضييق في مكان وما دخل عليه أحد إلا قام له وأفسح له مكانا ثم جلس جلسة واحدة لا يمد رجلا ولا يتخذ متكأ فإذا حضر الطعام أكل أكل الحيي ولم يدر عينيه في الصفحة أو يجمع بيده الطعام ولا يكثر ولا يزاحم جليسه وما سأل أحدا عما لا يعنيه ولا أخبر أحدا بما لا يعنيه ولقد تزوج وعمل لحفل زواجه فما شعرنا بذلك ونحن معه كل يوم حتى قال الليلة حفل زواجي وأتشرف بحضوركم. ولقد بنى بيته شهورا فما آذانا بالشكوى والإخبار قط. ولا ابتدأ مقالا من غير سؤال ما لم يكن في محله فإذا تكلم لم يرفع صوته ولم يهذر في كلامه ولم يجادل ولم يكن زميتا متشددا.
ولا لقي أحدا إلا ابتسم له وبش في وجهه ولا لقيه أحد إلا تملكته المحبة لهذا الرجل وهو بعد هذا يتفقد إخوانه إذا غابوا ويزورهم إذا مرضوا ويخدمهم فيما يترفع بعضنا عنه ويفعل الخير الكثير ولا يخبر أحدا ويكتم عن شماله ما تفعل يمينه ولقد علمنا بأفعال قام بها من غير أن يعلم أنا علمنا بذلك.
قلت لجلسائي: هل تعلمون أحدا بهذه الصفة؟
قالوا: لا والله.
قلت: أترونكم تجدون مثله في مئة ألف رجل؟
قالوا: لا نظن ذلك والله.
قلت: ولا أظن مثله يوجد في مليون رجل فهو نسيج وحده ومثله في البشر عزيز جدا وبمثل هذا يرحم الله بلدا بأكمله وأمة بأكملها وسيأتي هذا يوم القيامة وليس لأحد من البشر عنده حق واحد في مال أو غيبة أو نميمة أو مكيدة ويبقى حق الله جل جلاله والله هو الغفور الرحيم.
فهنيئا لمن هو مثل هذا أسأل الله ألا يفتنه وأن يختم له بخير خاتمة.
وبالله إن هذا الرجل موجود وأنا أعرفه والذي حدثني عنه ثقة صدوق وحدثتني يا سعد عنهم فزدتني شجونا فزدني من حديثك يا سعد.
زادك الله علما وبسطة في الرزق ..
جزاك الله خيرا
ـ[السراج]ــــــــ[28 - 12 - 2009, 08:21 م]ـ
أستاذنا عامر ..
لقد أضأت الصفحة بصديق منافس لصديق ابن المقفع، بل أجده أكثر صدقاً وأكثر ندرةً!
وها أنت تبرعُ في سحب البساط من ابن المقفع في وصف هذا الصديق بكلمات تبدو كالمرآة.
ـ[السراج]ــــــــ[28 - 12 - 2009, 08:29 م]ـ
كنا قد بدأنا في لمس بعض خيوط نص ابن المقفع، ونجدُ هنا أن نصك يحتوي على خيوط ملونة واضحة .. (سنعود إليها)
من ابن المقفع:
كان من أعظم الناس في عيني, وكان رأس ما أعظمه في عيني صغر الدنيا في عينيه.هذا الترابط العجيب أو نقول الربط الوثيق، فما جعل هذا الصاحب عظيما نظرته وزهده في الدنيا وتقليله من شأنها وهي التي يراها الناس عظيمة!
وتكرار العين هنا لدلالة بينة وهي أنها هي التي ترى الأشياء كبيرة – عظيمة – أو صغيرة.
وفيما سبق طباق موجب بين أعظم وصغر.
ومجاز مرسل (أعظم الناس في عيني) و (صغر الدنيا في عينيه)
كان خارجا من سلطان بطنه, فلا يشتهي مالا يجد ولا يكثر إذا وجد
حُراً طليقاً لا يقيده بطنه وإن له لسلطانٌ على كثيرٍ، أما صاحب ابن المقفع فخارجٌ عن سلطان بطنه (فهو خارج حماه ولا ينتمي لممتلكاته).
وكان خارجا من سلطان لسانه فلا يقول مالا يعلم ولا ينازع فيما يعلم وكان خارجا من سلطان الجهالة, فلا يقدم أبدا إلا على ثقة بمنفعة ..
تجري الكلمات عن كثير من الناس كالماء فلا يحدها ما يعلمه ولا ما لا يعلمه فتتساقط على ألسنة المساكين رذاذاً أما صاحبنا فهو من يتحكم بلسانه فليس للسانه سلطان عليه فينافي تلك الصفة بل يبرع ابن المقفع ويدهشنا في أنه لا ينازع ولا يجادل حتى في الذي يعلمه.
ولا يقوم بعمل أو قول إلا بعد توثقه بنفعه (حقاً إنه الصديق النادر).
شبه البطن بالملك الذي له سلطان ونفوذ
وكذلك في اللسان والجهالة. في استعارة مكنية.
...
ـ[السراج]ــــــــ[30 - 12 - 2009, 10:02 ص]ـ
كان أكثر دهره صامتا , فإذا نطق بذ الناطقين.
يحمل صفات العلماء فيتبين أنه يظل صامتا لأكثر أيامه، فإذا تكلم فاق المتكلمين الناطقين حينها ببلاغة تعبيره وحسن بيانه وعذوبة ما يقول ولطافته.
واللمسة اللطيفة في اختياره لكلمة (نطق) الدالة على بدء الكلام وكأنه بدأ في تعلم النطق حينها كالطفل، لكنه حين ينطق يفوق البلغاء وسبقهم وهذا ما تزهو به كلمة (بذّ) قوية الحرفين!
كان يرى متضاعفا مستضعفا فإذا جاء الجد فهو الليث عادياً
يراه الناس في صورة الضعف ويستضعفون قوته ولا يقيمون لها وزنا، وقد يكون جسده إشارة ذلك علامته. لكن ابن المقفع يبرز الصورة الأخرى الأكثر حيوية والتي تعجّ بالحركة والألوان، فما كانت الصورة السابقة إلا تمهيدا وصحراء لرؤية الاخضرار فها هو يصفه بأشرس المخلوقات عند الجدّ. وهنا إشارة بليغة لصفة التواضع عند صاحبه.
تشبيه بليغ (هو الليثُ عاديا)
...
¥