تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- هذه العجوز التي تعتني بها، كم تدفع لك من الأجرة مقابل هذه العناية الشديدة بها .. ؟؟ لا بد أنها تجزل لك المكافأة.

- ... ؟؟

ثم أضاف:

- لقد رأيتك تعتني بها عناية فائقة، وذهلت لاستمرارك على هذا المستوى، دائماً تحملها في السيارة ثم تنزلها منها، تقبل رأسها ويدها، وتتجول بها، وترفه عنها، لم أرك في يوم من الأيام متضايقاً من خدمتها، لقد أثار هذا فضولي كثيراً، لا مؤاخذة!! ولكن هذا ما حدث بالفعل، وهو ما دفعني بالفعل إلى هذا السؤال؟!

ورأيت أن أزيل الكلفة بيننا فقلت له:

- سأجيبك على تساؤلك، ولكن ليس هنا، ونحن وقوف على باب المنزل. أرجو أن تتفضل وتشرب معي قدحاً من القهوة ..

- أنا حريص على وقتك .. ربما لا تعلم أنني متقاعد ولدي وقت فراغ أكثر منك بكثير .. وأكثر مما أريد .. ولا أريد أن أضايقك.

- لا مضايقة أبداً.

ودخل معي إلى المنزل، وبينما كنا نرتشف القهوة، رحت أجيبه عن تساؤله الذي أفضى به إلي، أخبرته أنها أمي، وأنني أخدمها بدون نقود، بل إنني أنفحها في كل شهر بمصروف خاص، تنفق منه ما تريد مع تغطية جميع ما تحتاج إليه بكل معنى الكلمة.

ذهل وهو يسمع هذه المعلومات قلت:

- ليس هذا هو المهم.

نظر إليَّ بتعجب وقال:

- وهنالك ما هو أهم من ذلك؟

- نعم .. !! إنني أقوم بكل ذلك في سعادة غامرة، ورضى يعمر قلبي بالحب والسرور، إنني لا أشعر أنها مشكلة على الإطلاق!! بل نعمة موفورة أتاحها القدر لي. وهنالك شيء أؤمن به وهو أن ما سأقدمه لوالدتي سوف أجده من أبنائي، والأمر الأعظم من ذلك كله أنني أريد رضى الله تعالى. ولدينا إيمان نحن المسلمون بأن رضى الله من رضى الوالدين وسخطه من سخطهما، فهما أو أحدهما سبيل لنعيم خالد، أو لعذاب خالد مستمر بعد الموت، هذا أمر الله تعالى ويجب أن نمتثله ولا نعارضه.

قال بلهجة ونبرة فيها تأسف:

- أنا لا أصدق أن مثل ذلك يحدث لولا أن رأيتك بعيني!!

وتنهد بحسرة بالغة وهو يقول:

- لقد أحلت إلى المعاش منذ ثلاث سنوات، ولو لم يكن لدي هذا المنزل وراتب المعاش لرمى بي ولدي وابنتي إلى دار المسنين، لأني لا أجد عندهما أي عاطفة نحوي، لقد أنفقت مالاً كثيراً في تربيتهما وتعليمهما، ومع ذلك فقد نسيا ذلك كله (ثم توقف ليقول):

- أتصدق أن ابني قد زوَّر توقيعي عدة مرات وسحب من رصيدي في المصرف عدة مرات؟ كان يعلم أنني أحبه، وأني لن أعاقبه، وقد غضبت منه وقتها، ولكنني لم أستمر في غضبي لأنني رغم كل شيء أحبه، والمشكلة أنه يعرف ذلك!! لقد خدمت في الشرطة زهرة شبابي حتى وصلت إلى رتبة جيدة، والآن أعيش وحدة قاتلة، ولو كانت زوجتي بجانبي الآن ربما كانت المشكلة أقل، لكننا كنا قد افترقنا بالطلاق منذ عدة سنوات. وعاش كل منا وحده. لا أدري ما حدث لها بعدي ... آسف!! ( ... ثم أضاف بلهجة حزينة!!) لقد أشغلتك بأمور لا تعنيك.

- لا .. أبداً ... أنا سعيد أن تختارني بالذات لتكشف لي عن معاناتك .. وهذه ثقة أعتز بها .. أعتز بها كثيراً ..

- حقَّاً .. أنت تبالغ في مجاملتي ..

- هذا ما أعتقده .. أنا لا أجاملك ..

وسار الحديث هادئاً هانئاً، ثم تجدد اللقاء بعد ذلك .. حيث دعاني إلى منزله عدة مرات، وحين عرف أن ديني الإسلام هو الذي يجعلني أحترم والدتي وأحبها وأبذل الكثير لإسعادها رأيته يطلب مني أن أحدثه عن الإسلام .. قال: إنه لا يعرف إلا القليل عنه، وأن هذا القليل لا يشجع مطلقاً على الدخول فيه.

وجدتها فرصة .. قلت له:

- لماذا لا تتعامل مع المصدر الأصلي لتعاليم الإسلام؟

- ما هو؟

- القرآن الكريم!

وناولته في اليوم التالي نسخة من القرآن الكريم، وعددا من الكتب الإسلامية المتميزة، وتركته يقرأ على مهل، ويفكر بهدوء، وأنا أدعو من صميم قلبي أن يهديه الله على يدي، ولم يخيِّب الله رجائي، إذ لم تمض ثلاثة أشهر، إلا وهو يأتي إليَّ يعلن فيه رغبته باعتناق الإسلام .. هذه الرغبة التي أشعلتها في نفسه بعد توفيق الله رؤيته لرعاية والدتي بكل حب وحنان. لقد جاءت به المشاهد التي رآها لمعاملتي لوالدتي ليكون من المسلمين من غير أن أكلمه وقتها بأي كلمة عن الإسلام!!.

انتهى / والله الموفق

ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[09 - 08 - 2010, 09:34 م]ـ

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:

داعية ولكن من نوع آخر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير