وكذا التعبير عن أجزاء الجملة بما يناسب المقام من موصول، أو مبهم، أو معرفة، وكذا تأكيد الإسناد على الجملة، كقولهم زيد قائم، وإن زيداً قائم، (2/ 131)، وإن زيداً القائم متغايرة كلها في الدلالة، وإن استوت من طريق الأعراف.
فإن الأول: العادي عن التأكيد إنما يفيد الخالي الذهن.
والثاني: المؤكد بأن يفيد المتردد.
والثالث: يفيد المنكر فهي مختلفة.
وكذلك تقول جاءني الرجل، ثم تقول مكانه بعينه جاءني رجل، إذا قصدت بذلك التنكير تعظيمه، وأنه رجل لا يعادله أحد من الرجال، ثم الجملة الإسنادية تكون خبرية: وهي التي لها خارج تطابقه، أولا، وإنشائية: وهي التي لا خارج لها، كالطلب، وأنواعه، ثم قد يتعين ترك العاطف بين الجملتين، إذا كان للثانية محل من الإعراب فينزل بذلك منزلة التابع المفرد نعتاً، وتوكيداً، وبدلاً بلا عطف، أو يتعين العطف إذا لم يكن للثانية محل من الإعراب، ثم يقتضي المحل الإطناب، والإيجاز فيورد الكلام عليهما، ثم قد يدل باللفظ، ولا يريد منطوقه، ويريد لازمه، إن كان مفرداً كما تقول: زيد أسد فلا تريد حقيقة الأسد المنطوقة، وإنما تزيد شجاعته اللازمة، وتسندها إلى زيد، وتسمى هذه استعارة.
وقد تريد باللفظ المركب الدلالة على ملزومه كما تقول: زيد كثير الرماد، وتريد به ما لزم ذلك عنه من الجود، وقرى الضيف لأن كثرة الرماد ناشئة عنهما فهي دالة عليهما، وهذه كلها دلالة زائدة على دلالة الألفاظ المفرد، والمركب، وإنما هي هيئات، وأحوال لواقعات جعلت للدلالة عليها أحوال، وهيئات في الألفاظ، كل بحسب ما يقتضيه مقامه، فاشتمل هذا العلم المسمى بـ: البيان على البحث عن هذه الدلالات التي للهيئات، والأحوال، والمقامات، وجعل على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: يبحث فيه عن هذه الهيئات، والأحوال التي تطابق باللفظ جميع مقتضيات الحال ويسمى: علم البلاغة.
والصنف الثاني: يبحث فيه عن الدلالة على اللازم اللفظي، وملزومه، وهي (2/ 132) الاستعارة، والكناية - كما قلناه -، ويسمى: علم البيان، وألحقوا بهما صنفاً آخر، وهو النظر في تزيين الكلام، وتحسينه، بنوع من التنميق، إما بسجع يفصله، أو تجنيس يشابه بين ألفاظه، وترصيع يقطع أوزانه، أو تورية عن المعنى المقصود بإيهام معنى أخفى منه لاشتراك اللفظ بينهما، وأمثال ذلك، ويسمى عندهم: علم البديع.
وأطلق على الأصناف الثلاثة عند المحدثين اسم: البيان، وهو: اسم الصنف الثاني، لأن الأقدمين أول ما تكلموا فيه، ثم تلاحقت مسائل الفن واحدة بعد أخرى.
وكتب فيها جعفر بن يحيى، والجاحظ، وقدامة، وأمثالهم، ملاءات غير وافية.
ثم لم تزل مسائل الفن تكمل شيئاً فشيئاً إلى أن محض السكاكي زبدته، وهذب مسائله، ورتب أبوابه على نحو ما ذكرناه آنفاً من الترتيب، وألف كتابه المسمى بـ: ((المفتاح في النحو الصرف، والبيان))، فجعل هذا الفن من بعض أجزائه، وأخذه المتأخرون من كتابه، ولخصوا منه أمهات هي المتداولة لهذا العهد، كما فعله السكاكي في كتاب: ((التبيان))، وابن مالك في كتاب: ((المصباح))، وجلال الدين القزويني في كتاب: ((الإيضاح والتلخيص)) وهو أصغر حجماً من الإيضاح.
والعناية به لهذا العهد عند أهل المشرق في الشرح، والتعليم منه أكثر من غيره، وبالجملة فالمشارقة على هذا الفن، أقوم من المغاربة، وسببه - والله أعلم -: أنه كمالي في العلوم اللسانية، والصنائع الكمالية توجد في العمران، والمشرق أوفر عمراناً من المغرب.
أو نقول: لعناية العجم، وهو معظم أهل المشرق، كـ: ((تفسير الزمخشري))، وهو كل مبني على هذا الفن، وهو أصله، وإنما اختص بأهل المغرب من أصنافه: علم البديع خاصة، وجعلوه من جملة علوم الأدب الشعرية، وفرعوا له ألقاباً، وعددوا أبواباً، ونوعوا، وزعموا أنهم أحصوها من لسان العرب، وإنما حملهم على ذلك: الولوع بتزيين الألفاظ. (2/ 133)
وأن علم البديع، سهل المأخذ، وصعبت عليهم مآخذ البلاغة، والبيان، لدقة أنظارهما، وغموض معانيهما، فتجافوا عنهما.
ومن ألف في البديع من أهل إفريقية ابن رشيق، وكتاب: ((العمدة)) له مشهور، وجرى كثير من أهل إفريقية، والأندلس على منحاه.
¥