تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كَمَا أَنَّهُ أَدَبُ الانفِتَاحِ – وَأَدَبُ الكَونِيَّةِ الإِنسَانِيَّةِ – وَأَدَبُ الجَمَالِيَّةِ الفَنِّيَّةِ (7) – وَالاستِقَلالِ الفَعَّالِ الُمَؤَثِّر (8).

وبالعودة إلى الأمل والبشر، والتفاؤل، نطرق باب الشاعر الكبير إبراهيم طوقان، فَقَد كَانَ هذا الشَّاعِرُ يُؤمِنُ بِاللهِ إِيمَانًا عَمِيقًا وَصَادِقًا، وَعَلَى الرَّغمِ مِنَ ابتِلائِهِ بِالحِرمَانِ مِن نِعمَةِ الصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ وَهُوَ فيِ رَيعَانِ شَبَابِهِ، إِلا أَنَّهُ كَانَ صَابِرًا، وَمُتَفَائِلاً "وَإِنَّكَ لَتَتَصَفَّحُ مَا خَلَّفَهُ مِن مَآثِرِهِ الأَدَبِيَّةِ، فَتَرَاهُ قَد عَرَضَ فِيهَا مِرَارًا لِذِكرِ مَرَضِهِ، وَسَقمِهِ، وَلَكِنَّهُ عَرضٌ مَرِحٌ، مُبتَسِمٌ، لا رُوحَ لِلتَّشَاؤُمِ فِيهِ، وَلا أَثَرَ لِشَكوَى الزَّمَانِ، إِذ كَانَ المَرَحُ، وَالابتِسَامُ خِلقَةً فيِ إبرَاهِيمَ، فَلَم يَكُن يَنظُر إِلَى الدُّنيَا إِلا مِن وَجهِهَا الضَّاحِكِ المُشرِقِ" (9)، وَنَظَرًا لِنُحُولِ جِسمِهِ، فَقَدِ احتَاجَ ذَاتَ مَرَّةٍ إِلَى نَقلِ دَمٍ لَهُ، فَقَالَ:

وَطبِيبٌ رَأَى صَحِيفَة وَجهِيَ

شَاحِبًا لَونُهَا، وَعُودِي نَحِيفا

قالَ: لابُدَّ مِن دَمٍ لكَ نُعطِيـ

ــهِ نَقيًّا، مِلءَ العُرُوقِ عَنِيفا

لَكَ مَا شِئتَ يَا طَبِيبُ وَلكِن

أعطِنِي مِن دَمٍ يَكُونُ خَفِيفَا (10)

وَتَوَاصُلاً مَعَ هَذَا الخُلُقِ النَّبِيلِ؛ خُلُقِ التَّفَاؤُلِ وَالأَمَلِ، نَنتَقِلُ إِلَى الشَّاعِرِ "عَبدِ الرَّحِيمِ مَحمُودٍ" (11)، فَقَد كَانَ تَفَاؤُلُهُ تَفَاؤلاً إِيجَابِيًّا بَنَّاءً، لا تَفَاؤُلَ المُتَوَاكِلِ الكَسُولِ، وَنَستَطِيعُ أَن نَرصُدَ قِمَّةَ التَّفَاؤُلِ وَوُضُوحَ الهَدَفِ فيِ قَصِيدَتِهِ "تَبَسَّم"، حَيثُ يَدعُو فِيهَا الشَّبَابَ إِلَى التَّفَاؤُلِ وَالبِشرِ واَلأَمَلِ، ذَلِكَ أَنَّ "الغَضَبَ يُعمِي الفِكرَ، وَيَجعَلُ صَاحِبَهُ بَعِيدًا عَن هَدَفِهِ، قَصِيًّا عَن مُرَادِهِ، لأَنَّهُ يَحجِبُ عَقلَهُ عَن رُؤيَةِ الأَشيَاءَ رُؤيَةً وَاضِحَةً وَدَقِيقَةً" (12).

يَقُولُ الشاعِرُ:

إِن تَجِد بَابَ الأمَانِي مُغلقاً لا تكَشِّر أو تلُم مَن سَكَّرَه

إِنَّ بَوَّابَ الأمَانِي مَرِحٌ يَبغَضُ اليَأسَ وَيَخشى الكشَرَة

فتبسَّم يَا عَزِيزِي

يَا عَزِيزِي هَل ترَى الكَشَرَة أرجَعَت مِن فائِتٍ بَعدَ فوَاتِ

بَينَمَا البَسمَة أدنَت قاصِيًا أَوَ مَا جَرَّبتَ سِحرَالبَسَمَاتِ

وَتبَسَّم

فليُفِض وَجهُكَ بِشرًا دَائِمًا كرِهَ النَّاسُ عَلى الدَّهرِالعَبُوسَا

هَل ترَى التقطِيبَ حَلى مَرَّة أم ترَاهُ رَفَّهَ العَيشَ البَئِيسَا

فتبَسَّم يَا عَزِيزِي (13)

وَيُعتَبَرُ العقَّادُ وَاحِدًا مِنَ الرِّجَالِ الأقوِيَاءِ، الأشدَّاءِ، أَصحَابِ النَّظرَةِ الفَاحِصَةِ، وَالرَّأيِ الثاقِبِ السَّدِيدِ، وَالشخصِيَّةِ المُعتَزَّةِ بِقُدرَاتِهَا، وَقَد كَانَ مُؤمِنًا بِاللهِ إيمَانًا قَويًّا لا يَتَزعزَعُ، وَلا يَلِينُ، لا عَن وِرَاثةٍ – فَحَسبُ – وَإِن كَانَ مِنْ بَيتِ عِلمٍ، وَدِينٍ، وَلَكنْ عَن شُعُورٍ، وَتَأمُّلٍ، وَتَفكِيرٍ طَوِيلٍ، وَلَعَلَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ مُجتَمِعَةً جَعَلَت مِنَ الأُستَاذِ العَقَّادِ شَخصِيَّةً مُتَمَيِّزَةً، وَفَرِيدَةً. فَلَم يَكُن – يَرحَمهُ اللهُ – يَتَشَاءَمُ مِمَّا يَتَشاءَمُ النَّاسُ مِنهُ مُطلَقًا، وَكَانَ يَتَحَدَّى التَّشَاؤُمَ، وَيَزدَرِيهِ، وَلا يُؤمِنُ بِهِ، فَإن كَانَ النَّاسُ يَتَشَاءَمُونَ مِنَ الرَّقمِ 13، فَقَد كَانَ هَذَا الرَّقمُ هُوَ رَقمُ مَنزِلِهِ بِمِصرَ الجَدِيدَةِ، كَمَا كَانَ الرَّقمَانِ الأَخِيرانِ مِن هَاتِفِهِ المَنزِلِيِّ هُمَا 13، وَقد بَدَأَ فيِ إِنشَاءِ مَنزِلِه بِأسوَانَ يَومَ 13 مَارِس، وَقَسمَ كُتُبَهُ إِلَى 13 قِسمًا، وَاحتَفَظَ بِتِمثالٍ لِلبُومَة عَلَى مَكتَبِهِ، وَمِن غَرَائبِ الأُمُورِ أَن يُدفَنَ فيِ أسوَانَ يَومَ 13 مَاِرس سَنَةَ 1964م، رحم الله الأستاذ العقاد رحمة واسعة، وأدخلنا وإياه فسيح جناته، فقد كان أمة وحده، وفريد عصره، ونابغة زمانه (14).

ـ[شاعر الصحراء]ــــــــ[14 - 02 - 2010, 11:28 م]ـ

ما أحوجنا اليوم في خضم هذا الموج المتلاطم من ليل الأفكار الهدّامة التي تسعى للنيل من تاريخنا وموروثنا .. الى أنوار كالتي أضأتها هنا على صفحتك .. بارك الله فيك وجزاك عنا خير الجزاء ... أخي لقد أجدت وأفدت ..

خالص احترامي وتقديري ...

ـ[عامر مشيش]ــــــــ[17 - 02 - 2010, 09:22 م]ـ

بارك الله فيك دكتور علي

هذا هو الأدب الإسلامي الصالح لك زمان ومكان لأنه يرتكز على دين الله القويم.

شكر الله لك يا دكتور.

ـ[د/علي اليعقوبي]ــــــــ[17 - 02 - 2010, 11:44 م]ـ

أشكر لكما أخوي الكريمين؛ أبو أسامة من الجزائر، وعامر من السعودية، قراءتكما للمقال، وغبداء إعجابكما بمحتواه، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على ملكة نقدية فطرية، وأقصد بالفطرة هنا الخلفية النقدية الإسلامية.

أخوكما د/علي اليعقوبي

فلسطين

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير