أما الجزء الإلهي من شريعة الله، فيُقسَّم بدوره إلى ثلاثة أجزاء: [أ] الشريعة الخالصة، التي لم تختلط بشر ـ والتي يصح تسميتها "بالشريعة الحقة" ـ والتي لم يأت المخلص من أجل حَلِّها بل من أجل إتمامها، لأن ما أتمه المخلص منها لم يكن صادراً عن مصدر آخر لكنه أتمها لأنها كانت ناقصة. [ب] الشريعة المختلطة بالشر والظلم، وهي الشريعة التي حَلَّها المخلص لأنها لا تنسجم مع طبيعته [اللاهوتية].
2. وأخيراً [ج] الشريعة الرمزية التي نشأت نتيجة للعالم الروحاني والغيبي. لقد حوَّل المخلص هذا الجزء من التوراة ونقله من العالم المادي الحسي إلى العالم الروحاني الغيبي.
والجزء الإلهي الحقيقي في التوراة، هو الوصايا العشر فقط! مع ذلك يحتاج هذا الجزء إلى إكمال له لأنه ناقص:
3. إن شريعة الله الخالصة الحقة، التي لم تمتزج بالشر والظلم، هي "الوصايا العشر"، التي أنزلت [على موسى] في لَوحَيْن لتحريم ما يجب على الإنسان تجنبه، والتحفيزِ على ما ينبغي على الإنسان فعله. مع ذلك احتاجت هذه الشريعة [الإلهية] إلى إتمام المخلص لها، لأنها لم تكن كاملة!
أما سائر التوراة فهي شريعة "امتزجت بالشر والظلم" لا بد من نسخها:
4. إن الجزء الذي اختلط بالشر والظلم، هو تلك الشريعة التي تكافئ الخطيئة بالخطيئة! إنها تنص على مجازاة العين بالعين والسن بالسن، أي معاقبة القاتل بالقتل. إذ يرتكب الذي يعاقب القاتل بالقتل خطيئة لا تقل ظلماً عن خطئية الفاعل الأول إذا تغير ترتيب [القتل]، لأن الفعل في الحالتين واحد!
5. كان هذا الحد، ولا يزال، قصاصاً، لأنه سُنَّ بسبب ضعف هؤلاء، الذين أُنْزِلَتْ الشريعة من أجلهم، فارتكبوا بسَنِّهِ تجاوزاً بحق الشريعة الإلهية الخالصة. إنه حدٌّ لا ينسجم البتة مع طبيعة الإله الآب، ومع رحمته.
فلذلك نسخها المسيح:
7. لذلك قام الابن [= المسيح]، الذي صدر عن [الإله] الآخر، بحلِّ هذا الجزء من الشريعة وذلك على الرغم من تسليمه بأن ذلك الحد [23] من عند الله، وذلك في الوقت الذي يحسب هذا الجزء مع الأجزاء التي تحسب من العهد القديم، خصوصاً عندما يقول: "من لم يكرم أباه أو أمه فليقتل قتلاً".
يبدو من هذا كله أن بطليموس يوفق بين شريعة العهد القديم وتعاليم العهد الجديد باعتبار كل ما ورد في العهد القديم مناقضاً لتعاليم المسيح في العهد القديم شريعة "ناقصة" صادرة عن إله "ناقص" موجهة إلى شعب متعنت عنتاً اضطر موسى معه إلى إضافة أحكام جديدة إلى الشريعة لاسترضائهم ... كما يبدو أيضاً أن بطليموس يسلم بواقعة قيام الأحبار بإضافة أحكام ونصوص جديدة إلى التوراة التي أصبحت من حينه ثلاثية المصدر. وبذلك يسلم بطليموس ـ الذي تعبر رسالته عن اتجاه لاهوتي سائد في عصره ـ بالتحريف الذي تعرضت له التوراة، إلا أنه يفسره ـ يصفته غنوصياً متشبعاً بالفلسفة اليونانية ـ من خلال فلسفته العرفانية التي تسلم بوجود أكثر من إله واحد. فهو من جهة يسلم بوجود إله قديم رحيم هو إله عيسى، ويعتقد من جهة أخرى بوجود إله أقل قيمة من الإله الأول، ينسب إليه خلق العالم وإنزال الشريعة على موسى، ويعتبره حادثاً ليس قديماً قدم الإله الأول! إن الإله الأول إله كامل قائم بذاته، وإن الآخر ناقص وشريعته ناقصة مثله تحتاج إلى إكمال يقوم به المخلص الذي صدر عن الإله الأول. فجاء هذا المخلص، وهو المسيح عيسى، وأكمل الشريعة كما يلي: حافظ على الجزء الحقيقي منها، ونسخ الجزأين اللذين أضافهما موسى والأحبار إليها ناسخاًً أحكامهما بأحكام أكثر انسجاماً مع طبيعة إله الرجمة القديم. وبذلك يسلم بطليموس بالنسخ كما يعتقده المسلمون/ مع فارق كبير في المعتقدات المنسوخة!
ـــــــــــــــ
[1] انظر إنجيل متى، الإصحاح التاع عشر، الآية السادسة فما بعدها: 6إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ». 7قَالُوا لَهُ: «فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَق فَتُطَلَّقُ؟» 8قَالَ لَهُمْ: «إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هكَذَا».
ـ[عبدالرحمن السليمان]ــــــــ[31 - 12 - 2006, 11:57 ص]ـ
أخي العزيز الأحمدي،
السلام عليكم ورحمة الله،
نشرت هذا الصباح تتمة للمقالة تجدها أعلى هذه المشارة، يرجى الاطلاع عليها حتى تكتمل الصورة.
النقحرة أخي العزيز هي كما تفضلت ترجمة مستعارة لـ transliteration وهي منحوتة من "نقل حرف".
بالنسبة إلى سؤالك: يقصد بطليموس أنه يوجد إله حق كامل وشيطان رجيم وبينهما إله ثالث في الوسط هو إله ناقص هو الذي أوحى بالتوراة الناقصة إلى موسى عليه السلام، لذلك بعث الإله الحق الكامل بالمخلص عيسى عليه السلام لإكمال التورة الناقصة وقد أكملها بنسخ معظمها ...
يبني بطليموس تصوراته في التوراة بناء على نسخة التوراة التي كانت بين أيديه وقت كتابة رسالته (وهي التوراة الحالية)، وهي نسخة تناوبت الأيدي عليها تناوبا كبيرا، من ثمة قوله أن لتلك التوراة ثلاثة مصادر مختلفة ذلك لأن فيها أحكاما ناقصة لا يجوز نسبتها إلى الله، لذلك ردها بطليموس إلى إله ثالث ناقص!
ولو قال بطليموس إن الإضافات من عند الأحبار فقط، لكان قال ما يقوله الإسلام في كتب اليهود، إلا أنه نسب بعض الإضافات إلى موسى أيضا!
أما النقد الحديث فقد أثبت للتوراة أربعة مصادر!
وتحية طيبة،
عبدالرحمن.
¥