ـ[ضاد]ــــــــ[05 - 11 - 2007, 10:40 م]ـ
أخيرا وجدت في نفسي تهيئا لتناول قصيدتك أستاذي الحداوي. اعذرني على التأخير.
تسابقتْ في فوادي ألفُ خاطرةٍ
ولم يعدْ مرقدٌ للسرِّ في ذاتي
هناك فراغ معنوي في صدر البيت, حيث أن التسابق يكون من أجل شيء, وهذا الفراغ يستقرئه القارئ من المعنى العام, ألا وهو أن الخواطر تسابقت من أجل البروز والظهور.
أخلّ تقديم الاسم النكرة على المركب بالجر في الصدر بجماله, ففي العربية تسبق المركبات بالجر الأسماءَ النكرة, فنقول "في البيت رجل" ولا نقول "رجل في البيت".
ومرقد السر في الفكر العربي هو القلب, فالسر محله القلب, وتعويضك القلب بالذات من باب سحب العام على الخاص, فالذات أعم من القلب.
والارتباط المعنوي في البيت هو أن الخواطر تتسابق من أجل الظهور فلم يعد للسر مأمن في القلب خشية أن يظهر في خضم الظهورات الخاطرية.
حبستهنَّ وكادَ اليأسُ يحبسُني
واستنقذتني حروفي في صباحاتي
حبس الشاعر خواطره من يأسه, فانحبس بهن فيه, فهن سجن نفسي زاده اليأس وحشة وعزلة, ولم يكن من مخرج منه ومنهن غير أن يخرجن مع الحروف التي تعبر عنهن وهذه الحروف معاد خروجها هو الصباح.
حبستهنَّ بأفلاكي فما قويتْ
خرجنَ يسعينَ رغماً عن مداراتي
يسعى الشاعر هنا إلى التجريد نوعا ما, فهذه الخواطر حبسهن الشاعر في أفلاكه, وهي كناية عن مسارات فكره ونفسه وعقله, فلم تلبثن حتى خرجن عن مداراتهن في النفس, وهذا الخروج هو الظهور الذي ذكرناه, وحدث ذلك لضعف هذه الأفلاك كضعف الذات عن حمل السر وتأمينه, وهذه حالة الضعف النفسية الفكرية أمام الفيوض الخاطرية الشعرية, وهي معاناة الشاعر (في معناه العام) التي تولّد فيه شاعريته, وهو ما يسمى بشعر الأزمات النفسية, حين تكون المواجهة بين الشعرية والنفسية مواجهة عنيفة يتخلص فيها الشاعر من حظ حب التصنع والتكلف والظهور, فينبع منه فيض من ذلك وهو لا يدري, ومما أذكره في هذا الصدد قصيدة المتنبي الميمية الذي وصف فيها الحمى, وهي من عيون الشعر العربي إن لم نقل عينه, حيث تكلمت في المتنبي شاعريته الصافية, فأبدع غاية الإبداع.
لا يخدعنكَ وجهي وهو مبتهجٌ
فما تبسمتُ إلا من معاناتي
وددت لو جاء \مبتهج\ منصوبا للدلالة على الحال لأنه أبلغ هنا.
والابتهاج ليس الابتسام, فالابتهاج توافق الظاهر والباطن, ولا يبتهج أحد من معاناته, أما الابتسام فيمكن فيه تخالف الظاهر والباطن, وهذا الذي أراده الشاعر. فلو قلنا \وهو مبتسما\ لكان أبلغ.
كالسيفِ وقتي إذا مازارني فرحٌ
أنسانيَ الحزنُ ما معنى ابتساماتي
هناك غياب الربط البنيوي بين الصدر والعجز, فالوقت كالسيف أي أنه قاطع, وربما الذي أراده الشاعر هنا هو أن الوقت يمر سريعا عند الفرح, كأنه يقتطع منه.
أما العجز فمعناه ظاهر.
ولي رفاقٌ إذا ما الليلُ داهمني
يقاتلوني وغايتُهم مواساتي
\مداهمة\ الليل دلالة على الفجاءة في حلوله, أي أن المرء لا يشعر بحلول الليل حتى يكون فيه فنقول \داهمه الليل\.
نُبهتَ إلى الخطإ النحوي والخطإ العروضي.
ويظل معنى \يقاتلونني\ غامضا, كان على الشاعر توضيحه في البيت.
ولتسأل ِ النجمَ عني حينَ يجمعُني
بهِ المساءُ ومن عينيّ آيآتي
أسامرُ النجمَ والآلامُ تصرعُني
وأرقبُ الفجرَ كي يطوي حكاياتي
لم أفهم معنى \ومن عينيّ آياتي\.
يأتي الليل فيسامر الشاعر النجوم منتظرا الفجر كي يطوي حكايات السمر, وتتكرر التجربة كل ليلة, وهي رتابة الحياة وعجلة التجربة التي تدور وتدور.
أما ترى الرأسَ فيه الشيبُ مشتعلٌ
تراه كالنورِ والنيرانِ مشكاتي
استعارة صورة اشتعال الشيب من القرآن الكريم, وإضافة صورة أن هذا الاشتعال يولد نورا فيكون مشكاة للشاعر يستنير بها, فهذا الشيب ينير ويضيء.
يضيقُ صدري ويمضي العمرُ في كبدٍ
وتستبيحُ همومي قتلَ ساعاتي
العجز جميل. بما فيه من معنى الموت النفسي الذي سببته الهموم, استباحت زمن الشاعر وعمره وقتلت ساعاته فكأنها موت بعد موت.
فما استقامت لنا الدنيا بلا أملٍ
وما رفعتُ لحزني بيضَ راياتي
لا الدنيا استقامت ولا الشاعر استسلم, وهذه هي الجدلية الوجودية التي يكون فيها الإنسان في صراع دائم مع الحياة, وتتكرر التجارب الدنيوية.
وما وجدتُ رفاقاً مُرُّهم عذبٌ
إلا الدموعَ على خدّي وآهاتي
ومارسمت سوى ماكان في صدري
حديثَ نفس تحدثُ عنه أبياتي
يستعذب الشاعر دموعه وآهاته ويتخذها رفاقا, وهذه صورة الانحباس المذكور آنفا, والوحدة مع الذات فيتسلى الشاعر بذاته ودموعه وآهاته, فليس له رفاق سواهم.
هناك خلل في آخر تفعيلة من الصدر في البيت الأول والثاني.
ويخلص الشاعر إلى أن الشعر هو ما فاضت به النفس وحدثت وما خطه القلم, وهو الفيض الشعري مما كان في الصدر.
هناك خلل في عجز البيت الثاني.
أدعوك ياربِّ في سري وفي علني
أنت المجيبُ ومن يبري جراحاتي
آمين.
رغم جمال الدعاء, إلا أن المرور إليه مفاجئ للقارئ, وكأن الشاعر يتخلص من القصيدة ولا يكاد يتمها.
قولي خطأ يحتمل صوابا.
¥