تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تتنهَّد سارة تنهد من طال انتظاره , وأيقن ببزوغ فجره. قائلة في نفسها: حُقَّ لك الآن أن توقظي أمك وتطمئني على سلامتها.

يقطع الطريق عليها صوت رنين الهاتف , فتقف متجمدةً في مكانها وكأنما هو قيدٌ حبس حركتها , إلا أنها بصوت إيماني تبدد كل خوفٍ قائلة: {اللهم اجعله صباح خير}.

تخطو بخطوات متثاقلة نحو الهاتف , وبيدٍ مرتعشةٍ وقلبٍ تتسارع نبضاته ترفع تلك السماعة , ولكنها تأخرت وفقدت صوت المتصل , وليس ثمة سوى صوت الحرارة. تغلقها بهدوء وتعود من حيث أتت , وما إن ابتعدت قليلا , حتى أفزعها الاتصال مرة أخرى فعاد معه وجع قلبٍ وقلق ضمير.

ترفع السماعة وهي على وجلٍ.

_ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سارة: وعليكم. وكأنما الخوف قد عقد لسانها فلم ترد التحية بمثلها.

_ صباح الخير.

سارة: صبااااااح النوووور يا ههههلا

يبعد طلال هاتفه الخلوي ويبتسم ابتسامة براءة ويحدث نفسه بنفسه قائلا: ((معقولة سارة لم تعرف صوتي)).

ثم يعود سائلا سارة من باب الظرافة هل هذا منزل الحبيب وهل أنتِ سارة؟

سارة: بعبارة من يخشى نبأ مصيبة (نعم سيدي ماذا هناك)؟

لم يستطع طلال أن يتمالك نفسه مع هذه العبارة , فأطلق ضحكة وقال بحنان أخ مشتاق: ((مرحبا سوسو)) وهل يُعقل يا جامعية أن تنسيك الجامعة صوت أخيك. ليتني قريب منك فأستشفي.

تدخل هذه الكلمات جوف سارة وكأنما هي الشبم القراح الذي أطفأ كل لهيب خوفٍ وقضى على كل تنبؤاتٍ تشاؤمية.

تبادل سارة أخاها ألفاظ الترحيب , سائلة عن أخباره وأحواله.

طلال: أين أمي فقد اعتدتُ دوما أن أهاتفها بهذا الوقت , واعتادت هي على سماع صوتي وكأن صباحها لا يبدأ بعد ذكر الله إلا بي.

تصعق هذه الكلمات سارة وتعيد لها دوامة القلق وتحدث نفسها. ماذا أقول له؟

ولكن رحمة الله كانت إليهما أقرب ولطف الله أسرع من تعبير سارة فقد منَّ الله عليها بسماع صوت صرير بابٍ فُتح فاطمأن قلب سارة وكأنما هو عاد من غرفة أمها سابقاً تلك الحنونة يحمل نبأ وبشرى سلامة أمها , ولم يكن للقلق في قلب سارة أي مكان.

وبادرت طلال بقولها: دقائق لكي أناديها لك.

يسأل طلال. ولمَ لمْ تذهبي اليوم للجامعة أيتها الكسولة ولكن سارة قد تركت السماعة.

نزلت أم طلال وعلى وجهها ملامح تعبٍ. تبادر ابنتها وكأنها تريد ألا تشعرها بما فيها. صباح الخير ياابنتي وما هذه المفاجأة .. ! ابنتي كأنني صحوتُ على رنين الهاتف أهو طلال يا ابنتي؟

سارة: نعم هو طلال وهو يريد سماع صوتك.

تأخذ أم طلال سماعة الهاتف قائلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كانت سارة تنظر إلى أمها نظرة إعجاب وإكبار وهاهي الآن تتمم هذا النظر وتستغرب كيف تمازح طلال وتخفي وراء بسماتها كل ألم.

لم تدرِ سارة من هول الموقف ما دار بين أمها وبين طلال كانت ترى حال أمها التي أنهكها الألم وأضناها التعب وحال تلك العبارات والألفاظ التي توحي لطلال بأنها بأتم صحة وأفضل حال .. !

انتهت المكالمة وعاودت الأم نفس الطريقة مع سارة ولكنَّها لم تجدِ نفعاً مع سارة لأن حالة أمها تحكي خلاف ماتبدي!

سارة:

أمي بالله عليك اجعليني أقاسمك مابكِ. منذ أن خرجتُ أنا وأخي على هذه الدنيا ونحن ننظر إليك بعين إكبار وإجلال , ولطالما تحدثنا عنكِ بأنكِ وهبتِ نفسك لرعايتنا ومع أننا فقدنا أبي منذ أن كنا صغارا إلا أننا والله لم نشعر ولو للحظة واحدة بفراغه , وإن كنا نتمنى حقيقة أنه بيننا لا لحاجتنا إليه وإنما لنرى تلك الشخصية التي طالما هتفتِ بها. تقاطعها أمها قائلة: رحمك الله يا أبا طلال وأسكنك الجنة وجمعني بك.

استشعرت سارة الخطأ الذي وقعت فيه إذ أنها لم تترحم على أبيها فقالت على الفور ((رحمك الله يا أبي وأسكنك فسيح الجنان)). وعلَّقت على قول أمها وجمعني بك ... بعد عمرٍ طويلٍ يا أمي إن شاء الله.

تدير أمها دفة الحديث وكأنها تريد ألا تعود سارة إلى ما ابتدأت به حديثها فتقول:

أخبريني يا ابنتي لمَ لمْ تذهبي للجامعة؟!

سارة: في عبارة حيرة واستفهام ها .. ! أأيقظتني يا أماه؟!

نعم يا بنيتي وكنت متعبة جدا أتأخرتِ في النوم ياسارة؟

سارة: لم أشعر والله بكِ يا أمي حتى أني خفتُ عليك. وانتابني شعور أزعجني حتى سمعتُ صوت صرير بابك قبل قليل. فاطمأنت نفسي وسكن روعي.

علمتْ سارة أنَّ هذا عتابٌ عن عدم رضا أمها عن سهرٍ يكون على حساب صلاة فجرٍ. فقالت:

(ولا عليك أمي ستكون هذه أول وآخر مرة أنام عن الصلاة فيها).

حفظك الله يا ابنتي وأقرَّ بك عيني. وماهذا كله؟!

هذا لأجل أننا سنجلس الآن وستخبريني عما تكتمينه في نفسك وماتشعرين به وأستحلفك بالله يا أمي ألا تغيري مجرى الحديث.

تحدِّث الأم نفسها: ماذا أقول؟ ومن أين أبدأ؟ وإلى أي شيء أنتهي؟

عما ذا سأحكي .. ؟! ولمن سأشكو .. ؟! وهل أنا قادرة على أن أكاشف ابنتي الحقيقة .. لطالما كنتُ صريحة ولطالما زرعتُ الثقة بيني وبين ابنيَّ سارة وطلال فهل ياتراني أهدمُ مابنيتُ ...

في هذه الأثناء وبينما كانت سارة تنتظر مصارحة أمها. بسرٍّ ظل حبيس قلب أم طلال سنوات. غابت أم طلال عن الوعي وخرَّت أمام ناظري ابنتها وكأنما هي صريعة صعقٍ كهربائي.

سوسو في حيرة ابنةٍ ليس لها حول ولا قوة تصرخ قائلة: أماه أماه أماه .. ؟!

هول الموقف , وفجاءة الحدث , جعل سارة تجلس فوق رأس أمها وتمسك بيدها مرة بعد أخرى وفي كل مرة تناديها: أماه مابك؟! أماه مابك؟! وأخيرا تستشعر سوسو أن أمها بحاجة إلى من يُقلُّها إلى المشفى , لا إلى مَنْ يبكي فوق رأسها وقبل أن تغادرها , تميل بيدها نحو صفحة عنق أمها تتلمس نبضَ عرق الحياة فيها وهل هناك أملُ حياة لمَنْ وهبت نفسها لراحة ابنيها ......... ؟!

والسؤال هل ستكون نهاية أم طلال على يد ابنتها؟! هذا ماستعرفونه أخوتي في القادم

تقبلوا تحية عاشق ولكن؟! ولا تنسوا أن حقوق الطبع محفوظة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير