تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بعد أن قررت الانتحار!]

ـ[شثاث]ــــــــ[27 - 11 - 2010, 02:18 ص]ـ

تراجعت عن فكرة الانتحار بعد أن راودتني نفسي حوالي عشرين مرة .. تألمت كثيرًا لكثرة الأخطاء التي ارتكبها في حياتي ولا أعدلُ عن فعلها رغم كثرة الناصحين!!

لم أكن لأستجيب لمثل تلك النصائح والمغريات تحفني من كل جانب .. فالأحذية الجديدة تزين أبواب المساجد وهم يريدونني أن أكف عن سرقتها!! و زجاج السيارات وهو يلمع مع أشعة الشمس يغري كل كارهٍ للحياة محبٍ للعبث أن يلتقط أقرب حصاةٍ من الأرض ليهشم أركانها .. ومحفظة أبي الجميلة تمتلئ بالنقود وهي تغري كل إنسانٍ ذي فطرةٍ سليمة يؤمن أن المال زينةٌ في الحياة الدنيا على ألا تقف يده مكتوفةً دون انتزاع (المقسوم) من بين أجزائها .. لم يكن إلا الانتحار وسيلة للفكاك والخلاص من كل هذه الشرور!!

إلا أن بوادر تراجعي لاحت في فضاء مخيلتي واستقطبت فكري بعد أن كاد يفتك بي في لحظة غباءٍ عابرة .. بعد أن توافدت الأسئلة من نفسي على نفسي: ماذا ستستفيد من انتحارك؟ هل ستجعل الحمقى والمغفلين يتمتعون بأموالك ومسروقاتك من بعدك؟ من الذي سيظفر منهم بسيارتك الكوريلا الخضراء؟ هل سيقومون بتدفئتها وتسخينها قبل قيادتها؟ ماذا لو أعمل أحدهم محركها ولم يخضعها للتسخين مدةً لا تقل عن خمس دقائق؟ من سيسرق أحذية جارنا المتعجرف؟ إلى من سأكل هذه المهمة؟ وهل سيستمتع غيري بسماع تمتمته مع نفسه باللعن والسب والشتم غير الواضحة حتى لا يخدش كبرياءه أمام الجيران؟ من سيقوم بتنظيف الحارة من الحصى الذي يملأ أطراف الطرقات وقوارعها ليبرمه برمًا لولبيًا فلا يستقر به الحال إلا إلى منتصف مقاعد سيارات الجيران؟!!

الحمد لله ها أنذا معكم لم أنتحر بعد، ولن أستجيب لوساوس الشيطان مهما كلفني الأمر .. و لربما جلست أنا وهو على طاولة حوارٍ للتفاوض بشأن وساوسه فإما أن يكف عنها وإما أن ألتزم وأكف أنا عن إيذاء الجيران!! لن أطيل عليكم كثيرًا وسأخبركم عن رحلتي التي سبرت فيها بلدًا بأكمله، وإني لآمل ألا يكتشف شيخنا عز الدين القسام أيًا من الأخطاء الإملائية المحرجة .. فقد وقع لي على مفردة في موضوعٍ سابق؛ إذ بدلت ضادها إلى ظاء في موقفٍ مخزٍ محرجٍ لا يمكن أن يرتكب مثله حتى محمد التويجري مؤسس المنتدى!!

كما لا يفوتني أن أقترح على أبي سهيلٍ ألا يرد على موضوعي هذا وألا يرحب بي من جديد .. فقد كان موضوعي السابق فأل شرٍ عليه .. فهو ما إن رحب بي وخرج من بيته حتى بات تلك الليلة في المستشفى إثر حادثٍ سلمه الله من تبعاته .. ففر يا أبا سهيل من هذا الموضوع فرارك من المجذوم إن كنت لا زلت تريد قدمك الأخرى سليمةً معافاة!!

بنهاية العام 2009 حزمتُ أمتعتي بعد أن ودعت أصدقاء الكفاح والنضال .. ودعت أصدقاء الاستراحة وسط ابتهاجٍ لم تشهد الاستراحة مثله من قبل إذ إنني أول أعضائها سفراً إلى الخارج .. أول سفراء الاستراحة إلى خارج محيطنا الذي لا نتجاوز منه إلا إليه .. أخيراً أيها الرفاق سأصبح مهماً وسأسافر إلى الخارج .. سأعود من هناك ليصبح لدي شيئاً لأحكيه وأخبر عنه؛ شيئاً لأبلغه الأجيال من بعدي .. سأقص القصص وأؤلف الحكايا .. سأجعل من هذه الرحلة حديثي لمائة سنة قادمة .. سأكذب كثيراً دون أن يكتشف أحدهم كذبي .. سأنصّب من نفسي بطلاً لم يسبق للتاريخ ولا للجغرافيا ولا حتى الرياضيات أن أنجبت مثله .. متى سيحين موعد تلك الرحلة؟!! متى سأسافر؟!! متى؟! متى؟! .. كل هذه الأفكار كانت تتلاطم في رأسي كأمواج بحر هائجٍ لا يعرف السكينة ..

ودعت الأصدقاء وذهبت إلى مصر .. مهد الحضارات .. ذلك البلد الذي لم أتخيل نفسي مسافراً إليه لو لم يبق على الخارطة إلا هو .. لم أكن لأستسيغ قصة السفر إليه لولا أن أخاكم كان مكرهاً لم يلتق بالبطولة يوماً .. سافرتُ مكرهاً بعد أن أقمت الدنيا ولم أقعدها بحثاً عن بلدٍ يستقبلني و حفنة الريالات التي معي .. كنت أريد أن أسافر فقط .. أسافر لأعود محملاً بالأكاذيب التي سأرويها لأصدقائي .. فلم يكن إلا مصر .. لك الله يا مصر وأنا إذ حفلتُ برؤياك كما لم يحفل والدٌ بولده لأقتفي أثر السعادة على أرضك الصلدة .. لو كنت أعرف أن مصر بهذا الجمال وبهذا البهاء لما تأخرت حتى تلكم الرحلة التي جاءت متأخرة جدًا ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير