تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثاني ما يجب الانتباه إليه هنا، هو أن أمين، حسناً فعل إذ صبَّ اتهاماته على «الإسلام السياسي» فحسب، لأن الإسلام أكبر من أن يختزل في حزب أو في حركة سياسية مهما حاولَ البعض اختصاره بذلك. فهناك إسلام «اجتماعي» شديد التجذر في الممارسات والوجدان الاجتماعيين، وهناك أيضاً «إسلام فكري وثقافي»، وهو ما يهمني أن أميزه هنا، ذلك أن «المفكر الإسلامي» ليس مضطراً أن يكون تابعاً للسياسي المسلم، وهو ليس مضطراً أيضاً لأن يصطدم به، لكن حسابات الإسلام السياسي قد تختلف عن حسابات الإسلام الفكري، السياسي المسلم قد يضطر، بحكم طبيعة السياسة، أن يسايس، وأن يساير، وأن تكون له أهداف مرحلية تختلف عن الهدف النهائي – وسيجد له حزمة من الأغطية الشرعية فيما يفعل، سواء اختلفنا أو اتفقنا معه في مصداقيتها – لكن ما وجه الاضطرار بالنسبة إلى المفكر المسلم؟

إن مرجعيته الوحيدة يجب أن تظل للإسلام ولفكره ولرؤيته وليس لحزب أو تيار سياسي قد يغير من تكتيكه لهذا الظرف أو ذاك. لن ينتج هذا بالضرورة صداماً، بل قد ينتج «ترشيداً» على المدى البعيد، فالسياسي المسلم قد يضطر، بسبب من قواعد اللعبة السياسية، أن يتحالف مع طبقة «رجال الأعمال»، لكن هذا لا يعني أبداً أن «إسلام رجال الأعمال» أو ما يسمى بالتدين الجديد المنتشر في الطبقات الأرستقراطية ونواديها الاجتماعية والمدعوم (فضائياً) يجب أن يكون هذا النموذج الوحيد – لا أحد يمكن له أن يسلب حق هذه الطبقة في تدينها وحتى في امتلاك مظاهر مميزة لهذا التدين، لكن هذا يجب أن لا يؤثر على مفهوم العدالة الاجتماعية في الإسلام، المفهوم الذي هو أبعد وأعمق من مجرد «عمل خيري» و «جمع تبرعات» وصدقات وإحسان – بل هو مرتبط بمفهوم أكثر شمولية للعدالة يرتكز على منع احتكار تداول الثروة عند فئة محددة من الملأ، والتحكم في آليات تمنع تزايد الفجوة بين طبقات المجتمع، والتركيز على كون «الماء والكلأ والنار» – أي مصادر الطاقة والثروات الطبيعية في مجتمع ما – هي ملك للمجتمع ككل وليس من حق أحد، أو فئة الاستئثار بأرباحها، كما أن مفهوم الزكاة نفسه – ومنع الاحتكار – يعكسان «آلية تدخل» تشكل عتلة توازن ضد تدخل «الملأ» المستمر من أجل الاستحواذ على المزيد من الثروة (في الوقت الذي يعد ذلك التدخل اليوم تحدياً لقيم العولمة وقرارات الملأ العالمي وصندوق النقد الدولي).

مفهوم العدالة الاجتماعية إذن جزء أصيل من ثوابت إسلامية لا يمكن المساس بها في جوهرها، واختزالها إلى محض تكافل اجتماعي، أو حتى مجرد «أمن اجتماعي» – لا يجب أن يكون أكثر من تكتيك سياسي عابر، تمليها شروط لعبة سياسية على أمل أن تكون المشاركة، سبيلاً لتحسين الشروط نفسها .. وتساهم في بناء العدالة المنشودة.

إن الظرف العالمي كله قد جرَّ الإسلامين (السياسي، والثقافي) إلى التأكيد على «الهوية» الإسلامية في موجة التحديات الحضارية التي تستهدفها، ولكن العدالة الاجتماعية بالذات يجب أن لا يضحى بها على «مذبح الهوية» – بل على العكس، يجب التأكيد على أن ما يقع خلف هذه الهوية من قيم جوهرية، تشكل العدالة الاجتماعية أحد أهم أركانها وأبرزها.

في خضم التحالفات العابرة هنا وهناك، علينا جميعاً أن نتذكر أن «لب التغيير» الحقيقي، والنهضة المنشودة، لن تكون في نوادي النخب وتجمعات رجال الأعمال، بل عند تلك الطبقات الأدنى التي هي مادة التغيير الحقيقي، وهدفه

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير