[خطبة (بداية الإجازة الصيفية) للشيخ سامي بن خالد الحمود]
ـ[إمداد]ــــــــ[27 Jun 2008, 01:25 ص]ـ
خطبة (بداية الإجازة الصيفية)
سامي بن خالد الحمود
أما بعد .. كان الوالدان في ترقب وحذر، وتخوف وأمل .. ينتظران على أحر من الجمر، ما تؤول إليه نتيجة الأبناء في الامتحانات، وقد أُبرمت الوعود، وزفت البشائر، بالهدايا القيمة والرحلات الممتعة، إذا كانت النتائج مرضية مشرفة.
وأعلنت النتائج، وبدأت الإجازة الصيفية الطويلة، تلك الإجازة التي ينتظرها ملايين الطلاب والطالبات من أبنائنا وبناتنا؛ ليستريحوا من عناء السهر والمذاكرة، والذهاب يومياً إلى المدارس والجامعات والمعاهد.
نعم .. لقد بدأت الإجازة، والله أعلم بما قضى الله فيها من الأقدار والأخبار .. الله أعلم كم فيها من رحمة تنتظر السعداء!! وكم فيها من بلية ومصيبة تنتظر الأشقياء!! نسأل الله العظيم بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين أن يجعل ما وهب لنا من زيادة العمر زيادة لنا في كل خير، وأن يعصمنا فيها من كل بلاء وشر.
وإذا كنا نتحدث عن الإجازة فإننا نتحدث عن جزء من أعمارنا، ورصيد من أوقاتنا.
إن الوقت هو الحياة .. من عمره فإنما يعمر حياته، ومن قتلته فإنما يقتل نفسه.
ولأهمية الوقت، فإن الله سبحانه وتعالى أقسم به في أوائل سور كثيرة.
{وَالْعَصْرِ}، {وَالْفَجْرِ}، {وَالضُّحَى}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، وغيرها من الآيات.
وقال سبحانه: ((فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها، وقطعت علائقها، فانصب إلى العبادة، وقم إليها نشيطا فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة. اهـ
أيها المؤمنون .. الوقت هو ثمرة العمر طيبة كانت أو خبيثة .. وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: (السنة شجرة، والشهور فروعها، و الأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل).
ولعلنا نتساءل: متى يعرف المفرط قدر الوقت وقيمة العمل؟ ذكر الله تعالى في القرآن العظيم موقفين يندم فيهما الإنسان على ضياع الوقت والحياة، ويعلم أنه كان مغبوناً خاسراً في حياته.
الموقف الأول: ساعة الاحتضار .. حينما ينزل الموت بالعبد المفرط (فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) .. إنه يريد تأخير الأجل ولو قليلاً من الوقت (إلى أجل قريب) .. إنه يريد فرصة من الوقت ليتدارك حياته بالعمل الصالح.
الموقف الثاني: في يوم القيامة .. حين يقول المفرط في جنب الله حين يرى العذاب (لو أن لي كرة فأكون من المحسنين) .. (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين).
وإذا أردنا أيها الأحبة أن ندرك أهمية الوقت وخطورته فلنتأمل بعض خصائصه. فمن خصائص الوقت:1) أن ما مضى منه لا يعود ولا يمكن تعويضه. كما قيل: الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك.
يقول الحسن: ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني لأني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة.
2) سرعة مروره وانقضائه، فالوقت يمر مر السحاب ولاسيما عند الصحيح المعافى من الأمراض والهموم، كما قيل:
فقصارهن مع الهموم طويلةٌ وطوالهن مع السرور قصار
ومن العجيب، ما جاء في السنة من أن الوقت يتقارب ويمضي سريعاً في آخر الزمان.
فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالضرمة بالنار" رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع.
3) أنه محدود بأجل مسمى، وهذا الأجل مجهول بالنسبة للإنسان، فأنت لا تدري متى تنقطع أنفاسك ويحل أجلك، (فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
4) أنه أنفس ما يملكه الإنسان، وليس كما قيل: الوقت من ذهب، بل هو أغلى من الذهب لأنه لا يمكن تعويضه.
¥