تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التوسعة الجديدة للمسعى للدكتور مصطفى مخدوم]

ـ[أبو عبد الله محمد مصطفى]ــــــــ[18 Jul 2008, 01:56 م]ـ

[التوسعة الجديدة للمسعى للدكتور مصطفى مخدوم]

عميد المعهد العالي للأئمة والخطباء بجامعة طيبة

رؤية فقهية

أخذت التوسعة الجديدة للمسعى حيزا كبيرا من أحاديث المجالس وفتاوى العلماء وأسئلة العامة، ولعل هذا الاهتمام الواسع بالمسألة راجع إلى أمرين: أولهما ارتباط المسألة بعبادة السعي بين الصفا والمروة التي يحتاج إلى معرفتها آلاف المسلمين القاصدين للحج أو العمرة، وثانيهما فتوى بعض العلماء الأفاضل للتوسعة بجواز أو عدم صحة السعي فيها، فأقول مستعينا بالله إن العبادات التي شرعها الله تعالى نوعان: الأول: عبادات مطلقة من حيث المكان بمعنى أن الله تعالى شرعها للناس دون أن يربطها بأماكن مخصوصة مثل الأذكار المطلقة ومثل الصلوات الخمس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته) متفق عليه. والثاني: عبادات مقيدة بأماكن مخصوصة بحيث لا تؤدى إلا في مكان معين مثل الطواف فإنه عبادة مرتبطة بالبيت الحرام {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ومثل الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى، ولهذا جاء في الموطأ أن عمر رضي الله عنه كان يقول (لا يبيتن أحد من الحاج ليالي منى من وراء العقبة) وكان يبعث رجالا يدخلون الناس من وراء العقبة)، أي إلى منى، لأن العقبة ليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة، فهذه عبادات يلزم التقيد فيها بالمكان الذي حدده الشرع دون تغيير.

ومن ذلك السعي فإنه عبادة مرتبطة بالصفا والمروة كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} وقوله: من شعائر الله أي من معالم الله التي جعلها مشعرا للناس يعبدونه عندها كما قاله الإمام ابن جرير الطبري، فالسعي مخصوص بهذا المكان، والآية خبر في الظاهر ولكنها أمر في الباطن.

قالت عائشة رضي الله عنها: (طاف رسول الله وطاف المسلمون يعني بين الصفا والمروة، فكانت سنة، ولعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة) متفق عليه وبناء على ذلك فالواجب هو إيقاع السعي بين الجبلين، بحيث لا يخرج المحرم عن محاذاة الجبلين من جهة العرض، كما يجب عليه استيعاب المسافة بينهما من جهة الطول، وقدرها بعض الفقهاء قديما بـ777 ذراعا.

وهذا الجانب النظري متفق عليه بين المختلفين وإنما وقع الخلاف في التوسعة الجديدة من جهة أن المسعى الجديد هل هو داخل في البينية ومحاذاة الجبلين أو هو خارج عن السمت والمحاذاة؟ فمن رأى التوسعة الجديدة خارجة عن السمت والمحاذاة من جهة العرض أنكر التوسعة الجديدة ومنع من السعي فيها، ومن رآها داخلة في المحاذاة والبينية لم ينكر التوسعة الجديدة وأجاز السعي فيها.

وهذا خلاف في تحقيق المناط كما يعبر الأصوليون والمقصود به كما يقول الشاطبي: (أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى الحكم في تعيين محله) وذلك مثل الاتفاق على وجوب استقبال القبلة في صلاة الفريضة ثم يقع النظر أو الخلاف في تحديد جهة القبلة.

والخلاف في تحقيق المناط هو من جنس الخلاف في المسائل الاجتهادية التي لا يجوز فيها الإنكار على المخالف.

ولكن القدر الثابت من الناحية التاريخية والجغرافية هو أن جبلي الصفا والمروة كانا أكبر حجما مما هو مشاهد اليوم وكانت عليه مساكن وبيوت، وممكن كان له بيت على الصفا العلامة اللغوي الفيروزأبادي وقد أتم كتابه (القاموس المحيط) في منزله على الصفا وهو من علماء القرن التاسع الهجري، وقد أكد جماعة من المعاصرين العدول من كبار السن ممن شاهدوا الجبلين من زمان طويل أعرض من الباقي اليوم، ويؤكد هذا أيضا ما ذكره غير واحد من العلماء قديما من كون المروة طرفا من جبل قعيقعان، وكون الصفا طرفا من جبل أبي قبيس.

وينبغي التنبيه إلى أن تحديد العرض بالمحاذاة والمسامتة هو أمر تقريبي وليس تحديدا دقيقا ولهذا قال بعض الفقهاء: (لا يضر الالتواء اليسير) أي الخروج اليسير عن المحاذاة، ويؤيده أن الأصل هو التيسير في الشيء اليسير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير