تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التشبه وأحكامه]

ـ[أبو الخير صلاح كرنبه]ــــــــ[08 Aug 2008, 04:52 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الثاني عشر / الموسوعة الفقهية:

تشبّه *

التّعريف:

1 - التّشبّه لغة: مصدر تشبّه، يقال: تشبّه فلان: بفلان إذا تكلّف أن يكون مثله والمشابهة بين الشّيئين: الاشتراك بينهما في معنى من المعاني، ومنه: أشبه الولد أباه: إذا شاركه في صفة من صفاته. ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغويّ.

الألفاظ ذات الصّلة:

2 - منها: الاتّباع والتّأسّي والتّقليد وقد تقدّم الكلام فيها تحت عنوان: (اتّباع).

3 - ومنها: الموافقة، وهي: مشاركة أحد الشّخصين للآخر في صورة قول أو فعل أو ترك أو اعتقاد أو غير ذلك، سواء أكان ذلك من أجل ذلك الآخر أم لا لأجله.

فالموافقة أعمّ من التّشبّه.

الأحكام المتعلّقة بالتّشبّه

أوّلاً - التّشبّه بالكفّار في اللّباس:

4 - ذهب الحنفيّة على الصّحيح عندهم، والمِالكيّة على المذهب، وجمهور الشّافعيّة إلى: أنّ التّشبّه بالكفّار في اللّباس - الّذي هو شعار لهم به يتميّزون عن المسلمين - يحكم بكفر فاعله ظاهرا، أي في أحكام الدّنيا، فمن وضع قلنسوة المجوس على رأسه يكفر، إلا إذا فعله لضرورة الإكراه أو لدفع الحرّ أو البرد. وكذا إذا لبس زنّار النّصارى إلّا إذا فعل ذلك خديعة في الحرب وطليعة للمسلمين. أو نحو ذلك لحديث: «من تَشَبَّه بقوم فهو منهم» لأنّ اللّباس الخاصّ بالكفّار علامة الكفر، ولا يلبسه إلّا من التزم الكفر، والاستدلال بالعلامة والحكم بما دلّت عليه مقرّر في العقل والشّرع. فلو علم أنّه شدّ الزّنّار لا لاعتقاد حقيقة الكفر، بل لدخول دار الحرب لتخليص الأسارى مثلا لم يحكم بكفره.

ويرى الحنفيّة في قول - وهو ما يؤخذ ممّا ذكره ابن الشّاطّ من المالكيّة - أنّ من يتشبّه بالكافر في الملبوس الخاصّ به لا يعتبر كافراً، إلا أن يعتقد معتقدهم، لأنّه موحّد بلسانه مصدّق بجنانه. وقد قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: لا يخرج أحد من الإيمان إلّا من الباب الّذي دخل فيه، والدّخول بالإقرار والتّصديق، وهما قائمان.

وذهب الحنابلة إلى حرمة التّشبّه بالكفّار في اللّباس الّذي هو شعار لهم. قال البهوتيّ: إن تزيّا مسلم بما صار شعارا لأهل ذمّة، أو علّق صليبا بصدره حرم، ولم يكفر بذلك كسائر المعاصي. ويرى النّوويّ من الشّافعيّة أنّ من لبس الزّنّار ونحوه لا يكفر إذا لم تكن نيّة.

أحوال تحريم التّشبّه:

وبتتبع عبارات الفقهاء يتبين أنهم يقيدون كفر من يتشبه بالكفار في اللباس الخاص بهم بقيود منها:

5 - أن يفعله في بلاد الإسلام، قال أحمد الرّمليّ: كون التّزيّي بزيّ الكفّار ردّة محلّه إذا كان في دار الإسلام. أمّا في دار الحرب فلا يمكن القول بكونه ردّة، لاحتمال أنّه لم يجد غيره كما هو الغالب، أو أن يكره على ذلك.

قال ابن تيميّة: لو أنّ المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم (للكفّار) في الهدي الظّاهر، لما عليه في ذلك من الضّرر بل قد يستحبّ للرّجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظّاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينيّة، من دعوتهم إلى الدّين والاطّلاع على باطن أمورهم لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الحسنة. فأمّا في دار الإسلام والهجرة الّتي أعزّ اللّه فيها دينه، وجعل على الكافرين فيها الصّغار والجزية ففيها شرعت المخالفة.

6 - أن يكون التّشبّه لغير ضرورة، فمن فعل ذلك للضّرورة لا يكفر، فمن شدّ على وسطه زنّاراً ودخل دار الحرب لتخليص الأسرى، أو فعل ذلك خديعة في الحرب وطليعة للمسلمين لا يكفر. وكذلك إن وضع قلنسوة المجوس على رأسه لضرورة دفع الحرّ والبرد لا يكفر. 7 - أن يكون التّشبّه فيما يختصّ بالكافر، كبرنيطة النّصرانيّ وطرطور اليهوديّ.

ويشترط المالكيّة لتحقّق الرّدّة بجانب ذلك:أن يكون المتشبّه قد سعى بذلك للكنيسة ونحوها.

8 - أن يكون التّشبّه في الوقت الّذي يكون اللّباس المعيّن شعارا للكفّار، وقد أورد ابن حجر حديث أنس رضي الله عنه أنّه رأى قوماً عليهم الطّيالسة، فقال:" كأنّهم يهود خيبر" ثمّ قال ابن حجر: وإنّما يصلح الاستدلال بقصّة اليهود في الوقت الّذي تكون الطّيالسة من شعارهم، وقد ارتفع ذلك فيما بعد، فصار داخلا في عموم المباح.

9 - أن يكون التّشبّه ميلا للكفر، فمن تشبّه على وجه اللّعب والسّخرية لم يرتدّ، بل يكون فاسقا يستحقّ العقوبة، وهذا عند المالكيّة.

10 - هذا، والتّشبّه في غير المذموم وفيما لم يقصد به التّشبّه لا بأس به.

قال صاحب الدّرّ المختار: إنّ التّشبّه بأهل الكتاب لا يكره في كلّ شيء، بل في المذموم وفيما يقصد به التّشبّه. قال هشام: رأيت أبا يوسف لابساً نعلين مخصوفين بمسامير فقلت أترى بهذا الحديد بأسا؟ قال: لا، قلت: سفيان وثور بن يزيد كرها ذلك لأنّ فيه تشبّها بالرّهبان، فقال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يلبس النّعال الّتي لها شعر وإنّها من لباس الرّهبان».

فقد أشار إلى أنّ صورة المشابهة فيما تعلّق به صلاح العباد لا يضرّ، فإنّ الأرض ممّا لا يمكن قطع المسافة البعيدة فيها إلّا بهذا النّوع. وللتّفصيل ر: (ردّة، كفر).

يتبع: =

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير