تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سخافات المارقين: القول بذكورية اللغة!]

ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[10 Aug 2008, 01:07 ص]ـ

من سخافات المارقين:

القول بذكورية اللغة!

د. إبراهيم عوض

[email protected]

http://awad.phpnet.us/

http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9

http://ibrahimawad.net.tf

كان يقول فى صوت متهدج غاضب: ما رأيك فيما انتشر فى ساحة الكتابة النقدية فى العقود الأخيرة من أفكار ومقولات سخيفة غاية السخافة؟ ثم أردف أكثر غضبا: ولا أظن أن من يروجون لها يعتقدون فى صحتها أبدا، بل الذى أوقن به أنهم يرددون تلك السخافات عن وعى وسبق إصرار لغاية فى نفس يعقوب. ذلك أن سخفها وفهاهة منطقها وقبح عوارها يبين حتى للأعمى الذى حرمه الله من النظر، فكيف بالمبصرين؟ وأنا، حين أقول ذلك، إنما أقصد الزعماء منهم، إن صح أن يكون هناك فى ميدان السخف والتساخف زعماء وقادة، أما الصغار فهم ينجرّون وراء أولئك كما تنجر البهيمة بالرَّسَن يوضَع فى عنقها فتُسْحَب به فلا تستطيع أن تقول لمن يسحبها: لا. وكلامى فى المقام الأول إنما هو عن أولئك الزعماء، الذين هم فى الواقع ليسوا بزعماء، إلا أنه هكذا تجرى اللغة فى بعض الأحيان، فضلا عن أن المجاز يتسع لهذا، بل قد يستلزمه استلزاما. ألم يقل القرآن: "نَسُوا الله فنَسِيَهم" والله سبحانه وتعالى لا ينسى؟ ألم يقل القرآن: "وإن عاقبتم فعاقِبوا بمثل ما عوقبتم به"، والعقاب إنما يكون للجانى، وهو هنا المشركون، لا للمظلوم، الذى يمثله فى الآية الكريمة المؤمنون؟ ألم يقل القرآن: "فبشِّرْهم بعذاب أليم"، والتبشير لا يكون لمن ينتظره العذاب، بل لمن يعفى منه على الأقل، إن لم يدخل الجنة منذ البداية؟ فهذا هكذا.

رددت وقد أعدانى هذا التحمس من صاحبى وذلك الغضب: حقٌّ ما تقول يا صديقى. ومما انتشر فى العقود الأخيرة فى ميدان الكتابة، الذى أضحى كلأً مباحًا لا صاحب له بحيث أصبح يغشاه ويأكل منه ويشرب من آباره وعيونه كل من هب ودب، ما يثرثر به بعض من يمسكون بالقلم ويسحبونه على الورق مما يسمونه: "ذكورية اللغة". ثم أضفت متهكما: والحق أننى كنت ولا أزال كلما سمعت هذا الكلام لم أملك نفسى من الضحك، وبخاصة حين أرى مدى الجِدّ الذى يصطنعه مرددو هذا السخف إيهاما منهم للقراء بأنهم قد جاؤوا بالذئب من ذيله، أو فتحوا عكا، أو حرروا القدس ثم لم يأخذوا فترة راحة بل انتهزوا فرصة ارتفاع الروح المعنوية وشرعوا يحررون ما تبقى من أرض فلسطين السليبة.

قال صاحبى وقد بدت عليه علائم الحيرة: وما مبعث ضحكك يا صديقى؟ أجبته: مبعث ضحكى هو المقياس الذى ينبغى الاحتكام إليه لحسم هذا الموضوع وكسح هذا السخف إلى حيث ينبغى أن يُلْقَى به، ألا وهو بلاعات المجارى. أترى علينا مثلا أن نَنْضُوَ عن اللغة ملابسها: الخارجية منها والداخلية ولا نبقى على شىء منها حتى ولا ورقة التوت حتى نستطيع أن نرى أعضاءها التناسلية ونعلم من ثم إلى أى جنس من الجنسين تنتمى. ولكن أين هى اللغة من أيدينا وأعيننا حتى يمكننا أن نفعل ذلك؟ هل اللغة كائن حى مثلنا نحن البشر أو أولاد عمومتنا الحيوانات، فهى شىء مادى نستطيع أن نمسك به ونعرّيه وننظر فيه بأعيننا ونجسّه بأيدينا؟ أجابنى صديقى: كلا بالطبع. فرددت متهكما: فكيف إذن نقطع بالأمر فى أمرها؟ ألا ترى أيها الصديق أنه موضوع محير!

قال صديقى: لقد قرأت أشياء مما كتبه هؤلاء، وركبنى عفريت وأنا أراهم يهرفون بما لا يؤمنون به فى ضمائرهم، وإلا كانوا معاتيه أصلاء راسخين فى العته، وكنت أحب أن أعرف رأيك فى هذا التنطع الذى يسوّدون به الأوراق، ويسوّدون عيشتنا أيضا. وها هى ذى الأقدار تتيح لى من غير تدبير ولا تخطيط أن ألتقى بك على غير ميعاد فينفتح الموضوع من تلقاء نفسه، وأجدك تقف ذات الموقف الذى أقفه من تلك السخافات. فهل لى أن أسألك التوسع فى الكلام وكتابة رأيك مفصلا، لا من أجلى فقط، بل من أجلى وأجل القراء ومن أجل التاريخ، فإنى لأتألم تأملا شديدا كلما خطر ببالى أن الأجيال القادمة، حين تقرأ مثل ذلك السخف، سوف تستغرب أنه كان هناك ناس فى عصرنا يكتبون تلك الكتابات دون أن يتصدى أحد لهم بالرد الذى يعيد الأمور إلى جادة الصواب، ومن ثم قد يظنون أنه لم يكن يوجد من يخالفهم فى ذلك الموضوع. فهل لك إلى أن تستجيب لاقتراحى وتكتب شيئا فى هذه المسألة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير