[بين أبي حيان الأندلسي وابن تيمية رحمهما الله تعالى]
ـ[محمد براء]ــــــــ[20 Aug 2008, 05:34 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي رحمه الله تعالى في أعيان العصر وأعوان النصر: " وممن مدح ابن تيمية بمصر أيضا شيخنا العلامة أبو حيان لكنه انحرف عنه فيما بعد ومات وهو على انحرافه، ولذلك أسباب منها أنه قال له يوما: كذا قال سيبويه، فقال: يكذب سيبويه!، فانحرف عنه، وقد كان أولا جاء إليه والمجلس عنده غاص بالناس فقال يمدحه ارتجالا:
لما رأينا تقي الدين لاح لنا ... داعٍ إلى اللَّه فرداً. ماله وزرُ
على محياه من سيما الأولى صحبوا ... خير البرية نورٌ دونه القمرُ
حَبْر تسربل منه دهره حِبَراً ... بحر تقاذفُ من أمواجه الدررُ
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا ... مقام سيد تَيْمٍ إذْ عَصَتْ مُضرُ
فأظهر الدين إذْ آثاره دَرَسَت ... وأخمد الشرك إذ طارت له شررُ
كنا نُحدَّثُ عن حبر يجيء فها ... أنت الإمام الذي قد كان ينتظرُ " اهـ كلامه بلفظه.
وفي الذيل على طبقات الحنابلة بدل البيت الأخير:" يا من تحدث عن علم الكتاب أصِخْ ... هذا الإِمام الذي قد كان ينتظر "
وذكر هذه الأبيات ابن فضل الله العمري وقال بعدها: " ثم دار بينهما كلام جرى فيه ذكر سيبويه، فتسرع ابن تيمية فيه بقول نافره عليه أبو حيان، وقطعه بسببه، ثم عاد أكثر الناس ذماً له، واتخذه ذنباً لا يغتفر " اهـ كلامه بلفظه.
قال الشوكاني في البدر الطالع بعد ذكر كلام ابن فضل الله: " وسئل عن السبب فقال: ناظرته في شيء من العربية فقال: ما كان سيبويه نبي النحو ولا معصوماً، بل أخطأ في الكتاب في ثمانين موضعاً ما تفهمها أنت!. - في بعض الكتب: ولا هو -
فكان ذلك سبب مقاطعته إياه.
وذكره في تفسيره البحر بكل سوء، وكذلك في مختصره النهر " اهـ (1).
قلت: لا يوجد في النسخة المطبوعة من البحر المحيط ذكر لابن تيمية بسوء أو بخير (2)، لكن ذكر الكوثري في تبديد الظلام المخيم من نونية ابن القيم أن هناك عبارة حذفها مصحح طبعه بمطبعة السعادة قال الكوثري بعد ذكر هذه العبارة: "كما ترى في النسخ المخطوطة من تفسير أبي حيان؛ وليست هذه الجملة بموجودة في تفسير البحر المطبوع، وقد أخبرني مصحح طبعه بمطبعة السعادة أنه استفظعها جداً وأكبر أن ينسب مثلها إلى مسلم (!!)، فحذفها عند الطبع لئلا يستغلها أعداء الدين، ورجاني أن أسجل ذلك هنا استدراكاً لما كان منه ونصيحة للمسلمين " اهـ كلامه.
والعبارة المذكورة كما نقلها الكوثري - وقد أرانيها بعضهم في نسخة مخطوطة للكتاب -: " قال أبو حيان الأندلسي الحافظ في تفسير قوله تعالى وسع كرسيه السموات والأرض [البقرة: 255]: "وقد قرأت في كتاب لأحمد بن تيمية هذا الذي عاصرناه وهو بخطه سماه كتاب العرش: "إن الله يجلس على الكرسي وقد أخلى مكانا يقعد معه فيه رسول الله "، تحيَّل عليه محمد بن عبد الحق وكان من تحيله أنه أظهر أنه داعية له حتى أخذ منه الكتاب وقرأنا ذلك فيه".
وهذه العبارة مستغربة جداً من وجوه:
الأول: أن جلوس النبي على العرش، ورد في أثر عن مجاهد بن جبر رحمه الله تعالى رواه الطبري والخلال وغيرهما، - وإن كان في لفظه اختلاف عما ذكر هنا- وليس شيئاً اخترعه ابن تيمية من عنده، ويستبعد جداً أن يكون ابو حيان لم يطلع على تفسير الطبري، وممن أقر بهذا الأثر من الأشعرية: الإمام أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن.
الثاني: الذي يقرأ قوله: " تحيَّل عليه محمد بن عبد الحق وكان من تحيله أنه أظهر أنه داعية له حتى أخذ منه الكتاب وقرأنا ذلك فيه " يظن أن في هذا الكتاب شيء خطير يريد شيخ الإسلام كتمانه! مع أن هذا القول لم يخترعه شيخ الإسلام كما تقدم.
الثالث: لا أعرف ما هو كتاب العرش الذي أشار إليه حتى أراجع فيه كلام شيخ الإسلام، لكن ذكر السبكي في السيف الصقيل (3) عند تعليقه على قول ابن القيم:
هذا ومن عشرين وجها يبطل التفسير بـ (استولى) لذي العرفان
قد أفردت بمصنف لإمام هذا الشأن بحر العالم الحراني
قال: " المصنف المذكور هو كتاب العرش لابن تيمية وهو من أقبح كتبه، ولما وقف عليه الشيخ أبو حيان ما زال يلعنه حتى مات بعد أن كان يعظمه (!!) ".
¥