مقال: الكلمة بوّابة الحوار فالنهوض (نبيل شبيب)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[03 Jun 2008, 06:24 م]ـ
هذا المقال مركّز ومفيد إن شاء الله.
وأهل التفسير أولى بالاستفادة منه:)
===
الكلمة بوّابة الحوار فالنهوض (1)
بقلم - نبيل شبيب
المصدر: إسلام أونلاين ( http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1209357938021&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout)
في مقدمة معضلات النقلة الضرورية ما بين الكلام عن النهوض والتقدم وبين سلوك طريقه:
أن النهوض قضية جماعية، وما نزال نتعامل معها من منطلقات منظور التجزئة بمختلف أشكالها، تيارات، وأحزاب، ودول، فلا نصل إلى أرضية الانطلاقة الأولى.
بناء المستقبل لا يتحقق إلا جماعيا، فلا مستقبل لفئة، أو تيار، أو طائفة، أو تنظيم، أو فرد من الأفراد، أو بلد، بمعزل عن مستقبل سائر الفئات والتيارات والطوائف والتنظيمات والأفراد والبلدان الأخرى. وقد يختلف العاملون وهم يعملون فيتحقق الإنجاز ويكمل بعضه بعضا، ويقع الخطأ ويجد التصحيح، إنما يستحيل العمل عند انتظار الشروع فيه إلى ما بعد تجاوز الاختلافات، فتغييبها هو المستحيل.
إنما يتطلب العمل الجماعي -رغم الاختلاف- أرضية مشتركة تَضبط بقواعد مشتركة المنطلقات والمسيرة والأهداف، والتعامل من وراء الاختلاف بتلك القواعد.
وليس من سبيل للوصول إلى ذلك دون حوار وتفاهم، وبالتالي لا مندوحة عن تثبيت قاعدة أولى بسيطة وبالغة الأهمية، أن تُفهم الكلمة عند سامعها أو قارئها على نحو مطابق لمقصد قائلها أو كاتبها، سواء اتفق الطرفان على تأييد مضمونها أم اختلفا.
وإذ نتوجه إلى جيل المستقبل ليتابع الطريق، يجب أن نتساءل: أي طريق؟
إن نظرة واحدة إلى المصطلحات التي نرددها له باستمرار وبكثافة، عبر الدعوات في كل اتجاه، لاسيما الأخذ بما أخذ به التنوير الأوروبي وبالحداثة، تكفي للقول إننا أمام عدد كبير من الطرق المتشعبة، التي يصل التناقض والتضارب فيما بينها إلى درجة تستحيل معها رؤية طريق ما، أي طريق، توصل إلى هدف ما، أي هدف.
وإذا كان الحوار بين أصحاب تلك الطرق المتعددة عسيرا وكان الحوار بين التيارات المتعددة متعثرا أو متعذرا، فكيف يُنتظر من جيل المستقبل أن يجد لنفسه طريقا للخروج من الواقع الذي صنعناه له، وهو واقع التخلف على كل صعيد؟!
إذا كان الحرف صوتا منطوقا، واللفظة مجموعة حروف، والكلمة لفظة مفهومة، فالمصطلح مفهوم محدد، وضوابط التحديد شرط ليكون لبنة في صرح العلم والمعرفة.
وإن الكلمة التي تُقال أو تُكتب فتُفهم كما يعنيها صاحبها كانت وما تزال هي الأساس الأول ليحقق أي حوار أو تفاهم أو تعاون أهدافه؛ ولهذا فإن الخروج من دوامة المصطلحات هو من بين الشروط الأولية للنهوض وبناء المستقبل.
دوّامة المصطلحات وإشكاليات النهوض
ومن أخطر ما يصنعه جيلنا المعاصر أنه لا يورث جيل المستقبل -وهو مناط بناء المستقبل .. وليس نحن- عواقبَ ما صنعناه من كوارث ونكبات فحسب، بل يورثه أيضا دوامة المصطلحات التي إن سقط فيها كما سقطنا بقي غارقا في الخلاف حول الكلمات كما غرقنا، وهيهات أن يتحقق هدف النهوض دون أن تتركز من أجله الجهود -وليس الكلمات- عملا وإنجازا.
ولا نكتشف جديدا عندما نكرر التأكيد أن الكلام وحده لا يصنع النهوض، ويمكن أن يعيقه؛ بأن يشغل عن العطاء والإنجاز التراكمي المطلوب بلا انقطاع.
صحيحٌ أن مشكلة فوضى المصطلحات لا تخص الناطقين بالعربية فقط، ولكنها ترتبط لديهم في الوقت الحاضر بمشكلات ما قبل النهوض وبافتقاد مرجعيات معتبرة وموثوقة عموما لكل باب من أبواب البحث، علاوة على إضعاف مفعول الارتباط بمعطيات ذاتية، قيمية وموضوعية، كان من شأنها في الأصل أن تزيد الحرصَ الذاتي على ضبط المصطلحات والالتزام بقواعد منهجية في استخدامها.
والمصطلح هو ما اصطلح على دلالته المتخصصون في باب من أبواب التخصص، فيسري مفعوله نتيجةَ منهجيةِ تثبيتِ المفهوم لمضمونه، ووضوح دلالته، والالتزام به، وذاك ما كان عليه الأقدمون من هذه الأمة، عند مطلع نهضتها الأولى، وطوال مراحل تلك النهضة من بعد، وكانوا يطلقون كلمة المواضعة على ما نسميه المصطلح، فهو ما تواضع عليه الحكماء، كما وصفوا المتخصصين في كل باب من أبواب العلم والمعرفة.
¥