وإن عظمت المشقة واشتدت حرم أن يصوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا صلى الله عليه وسلم بقدح من ماء بعد العصر فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب والناس ينظرون فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال: (أولئك العصاة أولئك العصاة)
أيها المسلمون أتدرون متى كان سفر النبي صلى الله عليه وسلم هذا؟؟
إنه كان سفره في فتح مكة وقد فتحها النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الشهر قيل في اليوم العشرين من الشهر وبقي مفطراً في مكة عشرة أيام بقية الشهرلم يصم صلى الله عليه وسلم
وبهذا نعرف أن ما يتكلفه بعض الناس إذا ذهبوا للعمرة تجد الصوم يشق عليهم في مكة ومع ذلك يصومون وهذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم فوالله ما هم أشد حباً للطاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا هم أكمل هدي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يصم في مكة في العشر الأواخر في رمضان بل ترك الصوم لأن الفطر كان في ذلك الوقت أيسر له وعلى هذا فإذا وصل الإنسان إلى مكة وهو معتمر وكان يشق عليه أن يؤدي العمرة وهو صائم قلنا له أفطر ولو في أثناء اليوم وأدي العمرة براحة وقد وسع الله عليك فلا تشق على نفسك
أيها المسلمون إنه لا فرق في المسافر بين أن يكون سفره عارضاً لحاجة أو مستمراً في غالب الأحيان مثل أصحاب سيارات الأجرة التكاسي أو غيرها من السيارات الكبيرة فإنهم متى خرجوا من بلدهم فهم مسافرون يجوز لهم ما يجوز للمسافرين الآخرين من الفطر في رمضان وقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين والجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء عند الحاجة
والفطر لهم أفضل من الصيام إذا كان الفطر أسهل لهم ويقضونه في أيام الشتاء لأن أصحاب هذه السيارات لهم بلد ينتمون إليها وأهل فيها يأوون إليهم فمتى كانوا في بلدهم فهم مقيمون وإذا خرجوا منها فهم مسافرون لهم ما للمسافرين وعليهم ما على المسافرين ومن سافر في أثناء اليوم في رمضان وهو صائم فالأفضل أن يتم صومه فإن وجد مشقة فليفطر ثم يقضيه بعد ذلك ولا يتقيد السفر بزمن فمتى خرج من بلده مسافراً فهو على سفر حتى يرجع إلى بلده ولو أقام مدةً طويلة إلا أن يقصد بتطويل مدة الإقامة التحيل على الفطر فإنه يحرم عليه الفطر ويلزمه الصوم لأن فرائض الله لا تسقط بالتحيل عليها ولا يجب الصوم على الحائض والنفساء ولا يصح منهما إلا أن تطهرا قبل الفجر ولو بلحظة فيجب عليهما الصيام ويصح منهما وإن لم تغتسلا إلا بعد طلوع الفجر ويلزمهما قضاء ما افطرتاه من الأيام
أيها المسلمون هذه جملة من أحكام الصوم وإذا كان الناس في رمضان يصومون ويقومون فإن من المهم أن تبين أحكام القيام في هذا الشهر المبارك فلقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام هذا الشهر وقال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)
وإن صلاة التراويح من قيام رمضان فأقيموها وأحسنوها وقوموا مع إمامكم حتى ينصرف فإن من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة تامة وإن كان نائماً على فراشه
وإن على الأئمة أن يتقوا الله عز وجل في هذه التراويح فيراعوا من خلفهم ويحسنوا الصلاة لهم فيقيموها بتأني وطمأنينة ولا يسرعوا فيها فيحرموا أنفسهم ومن ورائهم الخير أو ينقروها نقر الغراب لا يطمئنون في ركوعها ولا سجودها ولا قيامها ولا قعودها إن على الأئمة أن لا يكون هم الواحد منهم أن يخرج قبل الناس أو أن يكثر عدد التسليمات دون إحسان الصلاة فإن الله يقول: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ولم يقل أيكم أسرع نهاية أو أكثر عملاً بلا إحسان وقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم وهو احرص الناس على الخير والأسوة الحسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر كان لا يزيد على إحدى عشر ركعة لا في رمضان ولا في غيره ولكنه يطيل ذلك وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل ثلاثة عشر ركعة
فمن صلى التراويح إحدى عشر ركعة أو ثلاث عشرة ركعة فلا حرج عليه
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام بأصحابه في رمضان ثم ترك ذلك خشية أن تفرض على الناس فيعجزوا عنها
¥