تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أمي الحبيبة أدركيني: حبيبك يغادر الدنيا تودع آخر أنفاسه الحياة. أمي الحبيبة أدركيني:حبيبك أنفاسه محجوزه ومن الموت مفزوعه. أمي الحنون أين أنت عني؟؟

أين حنانك مني؟؟ بل أين حبك لي؟؟ أماه امنعيني ,, ومن الموت أجيريني .. حبيبك يموت. أماه مدي لي يدك أعلق فيها آخر أنفاس الحياة .. أماه مدي لي يدك أقبلها ,, أودعها ,, أعترف بجميلها ,, أشم فيها رائحة المحبة ,, أمي الحبيبة سامحيني كم تطاولت عليك. كم رددتك ,, كم نهرتك،، كم أحزنتك،، كم عصيتك. سامحيني .. أماه إنها لحظات الوداع وزفرات الفراق.

دنت مني أمي ودموعها تكاد تغرقني. نادتني: حبيبي .. حياتي , أفديك بنفسي .. وضعت رأسي على

حجرها .. وأمسكت يدي بيديها الرحيمة .. قبلت يديها .. قبلتني. بكاؤها يقطع قلبي ويزيدني ألما فوق ألمي صحت آه .. آه يا أماه من شيء يقطع قلبي .. يمزق أعضائي .. يجري مع دمي بل يكسر عظامي. آه لو تعلمين انه ألم شديد وفراق إلى مدى بعيد. زاد بكاؤها .. وعلا صوتها .. وازداد نحيبها ,, ورفعت يديها إلى السماء تدعو: الهي أمهل حبيبي ليتوب , ليعود. الهي لا تخيب رجائي فيك.

مددت يدي لأختي .. لأخي .. لأبي .. تعلقت بهم. هم يجذبونني إليهم ,, ولكن الموت يجذبني بقوة إليه ,, وداعا أحبتي.

علا بكاؤهم ,, وزاد حزنهم،، وزاد أساهم. يرون آلامي لا توصف تعجز عن وصفها الأقلام , ويقف عنها عاجزا الكلام. جبال على صدري ,, وهموم تثقلني. آه .. آه .. الهي من يفرج همي , وينفس كربتي. اشتد نزعي ضاق والله بها صدري. ينادونني: قل لا إله إلا الله , نعم الآن أيقنت أنه الموت.

يقول أحدهم: احملوه إلى المستشفى لازال فيه حياة. حياة؟؟ وأي حياة؟؟

وحملت للمستشفى .. استقبلت بحفاوة .. وضعت بين الأجهزة في غرفة الإنعاش. هذا بإبره,, وذاك بهواء الأكسوجين ,, وآخر ينعش بضربات القلب. حاولوا و حاولوا. لكنهم لم يستطيعوا انتشالي من بين فكي الموت. لقد شد علي بأسنانه .. والتهمني بأضراسه. وبعد ساعات حار الطبيب وخانته العقاقير.

حار الطبيب بعلمه ,, وانثنى منكسا رأسه .. معلنا أمام الموت فشله.

خرج لأهلي دموعه على خده قابضا يده. أعظم الله أجركم .. وجبر مصيبتكم .. وغفر لميتكم. تعالوا لتحضروا وفاته , ولا تنسوا تلقنوه الشهادة.

دخلوا الغرفة كلهم , ولساني يهذي بأمور لا أشعر بها. حكيت لهم قصة حياتي , بشريط مسجل على لساني كنت مظهرا التزامي وأمامهم كنت مبتعدا عن الملهيات والمفسدات والمحرمات. وإذا بهم يفاجئون بالحقيقة المرة ,, و انكشف الغطاء ,, وظهر الزيف والافتراء. حقيقة مرة وكذبة كبيرة , عشت فيها سنين. تذكرت عندها كلاما لسفيان الثوري: أكبر خيانة أن يخونك لسانك عند الموت فلا ينطق بها. أتعرف ما هي؟ إنها الشهادة.

وفجأة تجمع الأطباء حولي ,, واشتد نزعي ,, وصحت بأعلى صوتي: آآآآآآآه لو أعود .. من منكم يزيد ني من عمره ساعة .. دقيقة .. ثانية. لأكتشف الحقيقة ,, وأحطم زيف الكذبة. كل منهم ودمعه ينهال على خديه قابضا من الحزن يديه.

وفجأة وإذا بأجهزة الأطباء تضطرب وتخفق بسرعة. هوت كلها إلى مؤشر الصفر معلنة النهاية. فدقت أجراسها خطرا وعلا صوتها منذرا , وانطفأت كلها وفاضت معها روحي. ورأى الكل مصرعي بل نهاية حياتي وبداية قيامتي.

خرج الجميع من الغرفة وتركوني وحيدا فريدا , في غرفة باردة .. تركوني مع أيدي غريبة تقلبني وتلفني بأثواب ربطوا بها يدي وشدوا بها رأسي , واستدعوا موظف الثلاجة ليحملني على عربته وحيدا لا مرافق لي تركني أهلي كأنهم مني خائفون ,, و من حالي مستوحشون. لا يجرؤ أحد منهم على لمسي. أدخلت الثلاجة وفتحت لي أبوابها , حملني اثنان وعن العربة أنزلوني وفي الدرج الأول تركوني. مكان ضيق كأنه لحد.

أغلقوا علي إغلاقا محكما. ثم اقفلوها خارجين وإلى أعمالهم عائدين. أطفأوا الأنوار. زاد برد الثلاجة كل ما فيها أناس صامتون ,, موتى مثلجون ,, جيران لا يتكلمون ,, لا نفس يسمع ولا داعي يجاب. صمت في رهبة تحت سطوة الجبار أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى. تجمدت أطرافي , كنت أمر بالقرب من هذا المكان

لا أستطيع النظر إليه خوفا من رهبته ,, وها أنا اليوم أودع فيها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير