يالها من نهاية. تنتظر كل حي .. وما هي إلا لحظات وإذا بالأبواب تفتح ضجيج وأصوات عالية ومن بينهم صوت يقول أنا أغسله،، وآخر أنا أكفنه. أخرجوني من درجي ووضعوني على مكان غسلي ,كأنهم خائفون مني.
خلعوا ملابسي ,, وستروا عورتي .. صبوا الماء فوق رأسي .. وغسلوني , ثم قربوا الأكفان ونشروها ثم طيبوها. حملت بين أيديهم .. ألقوني بينها. بدأوا بتغطية وجهي. أوثقوني بالأربطة .. قبلني أبي وأخي واستدعيت أمي فلم تتمالك نفسها. حنت رأسها علي وقبلتني ,, ودموعها مدرارة.
تركوني في ناحية المسجد وحيدا. انتهت صلاة الظهر ,, وتداعى أحبتي: إلينا بعبد الله فاحملوه ,, ولصلاة الجنازة قربوه. صاروا ينادون بعضهم: احمل الأمانة .. نعم لقد محي اسمي من هذه اللحظة ,, فلم عبد الله .. إنما جثة .. وأمانة. حملت بين الأيدي ورفعت على الأعناق صلى الناس وخرجوا. حملت على الأكتاف تتبعني الدعوات: اللهم ثبته عند السؤال. أين أصيح؟؟ وكيف أصيح؟؟ ومن يسمع؟؟ يا أحبابي دعوني معكم ولو ليلة أترمون بي. قد كنت لكم خادما وأخا صادقا ..
أفي حفرة تودعونني , ضاعت هداياي لكم وخدماتي لكم؟؟
كم ليلة سامرتكم؟؟ أضحكتكم؟؟
صدق في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ,حديث قد طرق سمعي لكنني لم أعره بالا. تذكرت قوله: إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فان كانت صالحة قالت: قدموني , , قدموني. وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها .. أين تذهبون بها؟؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها لصعق (1)
(1) رواه البخاري والنسائي والبيهقي وأحمد
تنادي جنازتي دعوني .. دعوني أعرف ما أمامي .. إنها أشرطتي وأفلامي. أنزلوني .. أنزلوني.
أما تسمعون ندائي .. لا أحد يبالي.
وضعوني على شفير القبر وحافته. أرى قبري يحفر أمامي. يا أبي أتحفر لي لتواريني؟؟ وأنا أنظر إلى قبري كأني أعرفه موحش , , مظلم , , مقفر. آه …يا الهي!!
ما أوحشه .. طين وتراب , صخور كبيرة تكتم الأنفاس ..
هاهم انتهوا وللطين قربوا. و نادوا: إلينا بالجنازة. . ناولونا الأمانة!! حملها الأقربون مسرعين ينتحبون بكاؤهم يزيد .. إنها اللحظات الأخيرة .. لحظات الفراق النهائي من الدنيا .. يعلمون أني مغيب إلى مدى بعيد. أنزلوني , استقبلني أبي وأخي الأكبر. وسدوا لي التراب (جعلوه وسادة تحت رأسي) وضعوا جنبي بين اللحود.
عندها ودعت الدنيا. وداعا أيتها الشمس ,, وداعا أيها النور , آ ه …أيها الظلام
حلوا رباط أكفاني. قبلني أبي ودعا لي. نادوا باللحود , وهي حجارة كبيرة وضعوها فوق رأسي , وعلى رجلي وغطوا بها جسدي. أصيح فلا مجيب ,, أيها الناس!!! أغلقتم منافذ الهواء. فإذا بالنداء لا يقرع إلا آذانا صماء. زادوا علي التراب.
تراب فوقه تراب , وتحته تراب. يا ابن التراب ومأكول التراب غدا .. الكل يحثو حتى ردموا الحفرة وأغلقوا
معها آخر أنفاس الحياة. تهيأوا للرحيل.
ذهبوا وأبقوني وحيدا. ذهبوا وتركوني أسامر الدود ...
استقبلني القبر بضمته ,, واللحد بغمته.
أخذ التراب ينهال على وجهي. كفى أيها المستقبلون. أهكذا تستقبلون ضيفكم؟؟ رد القبر بصوت مرعب: أما سمعت في الدنيا ندائي (ما من يوم يطلع فجره إلا وينادي القبر: أنا بيت الظلمة .. أنا بيت الوحشة أنا بيت الدود.
اسمع إلى ترحيبي: إذا وضع العبد الفاجر في جوفي قلت له لا أهلا ولا مرحبا ,, أما والله قد كنت أبغض من يمشي على ظهري. إلي فقد وليتك اليوم فسترى صنيعي بك. فأضمه ضمه حتى تختلف أضلاعه ثم يوكل به سبعون تنينا ينهشونه ويخدشونه حتى يفضى به إلى الحساب (1) [في سنن الترمذي]
هذا هو ندائي أما سمعت به؟؟ نعم قد سمعته وطرق أذني ولكني تباعدت اللقاء بل تناسيته. أمهلني أيها القبر لأعود. انتهرني قائلا: كيف تعود , كلا قد فات الأوان , (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)
عندها دب الدود على وجهي وبدأ يأكل أكفاني. صحت بأعلى صوتي آ ه ... آ ه لو أعود آ ه .. آ ه لو أعود
استيقظ أبي وفتح باب غرفتي: يا بني ما بك: أبي …أمي آ ه ……لو أعود. يا بني من أين تعود؟؟. أنت في بيتك، وعلى فراشك .. تعلقت به يا أبي أنقذني , أبعد الدود عن وجهي.
يا بني لا تخف أنت في بيتك. تجمع إخواني وأنا في
¥