تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد قلت في تعليق لي في كتاب (مختصر المقاصد الحسنة) على الحديث (174) ما يأتي: «إنّ من المناسب أن أُورد تفريق العلماء بين المداراة والمداهنة، فقد ذهبوا إلى أنّ المداراة مندوب إليها، والمداهنة محرّمة، وقالوا: إنّ المداهنة هي معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، أما المداراة فهي الرفق بالجاهل في تعليمه، وبالفاسق في الإنكار عليه ووعظه، وتألُّفهما، واستدلوا على ذلك بأحاديث، منها ما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي: من أنّ رجلاً استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «بئس أخو العشيرة!» فلما جلس تطلّق النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه وانبسط إليه. فلما ذهب الرجل، قالت عائشة: يا رسول الله! حين رأيت الرجل قلت كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «يا عائشة! متى عهدتِني فاحشاً؟ إنّ شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره».

وهذا درس للدعاة كبير؛ ماذا يضيرنا أن نلين القول للناس أجمعين؟ إن ذلك يقربهم منّا. إنّ المسلم كالوردة تفوح منها روائح العطر للناس جميعاً، لا تفرّق بين إنسان وإنسان، إنها لا تحجب رائحتها الزكية عمّن لا يستحقها؛ فكل من اقترب منها سعِد بالشذا العطر، وكذلك المسلم فإنه لا يستطيع إلا أن يكون حَسَنَ المعاملة، لطيف العشرة، ولكن هذا اللطف لا يؤثر في موقفه الصلب من الباطل، فلا يجعله لطفه هذا يقول الباطل أو يؤيده .. والله أعلم).

إن علينا أن نتعامل معهم بالحسنى والحذر؛ لأننا أصبحنا عارفين لحقيقتهم. يقول الله - تعالى -: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 43].

[الإسراء: 18]

ويبدو لنا فضل أبي بكر الصّدّيق الرجل العظيم على هذه الأمة وعلى الإنسانية كلها، الذي تصدّى لحركة الرِّدة بعزيمة راسخة وتخطيط محكم، وقضى على المرتدين، وأعاد للإسلام مكانته. لقد كان قوياً في الحق، وكان في الوقت نفسه يتألف المنحرفين ويعيدهم إلى جادة الصواب كما كان الأمر مع عيينة.

وقد سخّر هؤلاء الذين كان يقودهم لمحاربة الإسلام ونبيه العظيم، وكان كما وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الأحمق المطاع في قومه»، فقد دعاهم إلى مؤازرة طليحة المتنبئ فأطاعوه، فأفسد عليهم أمر حياتهم الدنيا وأمر آخرتهم، وأفسد بهم الناس، ثم تاب ورجع ورجع معه قومه. وقد قصّ الله - عز وجل - علينا في القرآن قصة فرعون الذي كان من المفسدين وكيف أطاعه قومه فأهلكهم. قال - تعالى -: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الزخرف: 45 - 55].

ونقف على أنه - رضي الله عنه - كان يجالس العلماء ويشاورهم، سواء كانوا كهولاً أو شباناً.

والحمد لله الذي هدانا لهذا، ونسأل الله أن يرد المسلمين إلى دينهم لتعود إليهم عزتهم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. 2 - ومن الدروس التي نقف عليها في هذه القصة أنّ على ولي الأمر في الأمة أن ينصح أمته، ويقرر لهم حقيقة مَنْ يعاشرون من الناس كيلا ينخدعوا. ولقد كانت كلمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عيينة [21] تقريراً لحقيقة هذا الإنسان التي تجلّت في تصرفاته في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد مماته، ولذا عدّ بعض العلماء هذا الحديث من أعلام نبوته. 3 - وتدل أحداث هذه القصة على أنّ الباطل لا بد أن ينكشف مهما طال أمده، ولا بد أن يستبين الحق؛ فالذين ادّعوا النبوة كذباً وزوراً وسار وراءهم عيينة وقومه وأمثالهم، ظهر للناس بطلان دعوى أولئك المدّعين. يقول الله - تبارك وتعالى -: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}. 4 - كان عيينة في جاهليته سيّد قومه، قال أبو عمر بن عبد البر: (كان عيينة يُعدُّ في الجاهلية من الجرّارين، يقود عشرة آلاف) [22]. 5 - وفي هذه الأخبار التي مرت بنا نقف على حِلْم عمر، ووقوفه عند كتاب الله والعمل به، وقبوله الموعظة. 1 - في هذه القصة ما يدل على حسن خُلُق النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وتلطُّفه مع الناس أجمعين، بَرِّهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير