تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقال: صدقت يا رسول الله! أتوب إلى الله وإليك من ذلك [15].

لقد كانت من عيينة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته أمور تدلّ على ضعف إيمانه، فيكون ما وصفه به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنه بئس أخو العشيرة؛ من دلائل نبوته، صلوات الله وسلامه عليه.

وقد ارتد عيينة عن الإسلام زمن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه وأرضاه - وحارب المسلمين، ومال إلى طلحة وبايعه، ثم عاد إلى الإسلام، وكان فيه جفاء سكان البوادي [16].

قال المحاملي [17] في أماليه: عن عبيدة بن عمرو قال: جاء الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فقالا: يا خليفة رسول الله! إنّ عندنا أرضاً سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة، فإن رأيت أن تقطعناها؛ فأجابهما وكتب لهما، وأشهد القوم، وعمر ليس فيهم. فانطلقا إلى عمر ليُشهِداه فيه، فتناول الكتاب ومحاه، فتذمرا له وقالا له مقالة سيئة؛ فقال عمر - رضي الله عنه -: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتألّفكما والإسلامُ يومئذٍ قليل، وإنّ الله قد أعزّ الإسلام، اذهبا فاجهدا جهدكما! فأقبلا إلى أبي بكر - رضي الله عنه - وهما يتذمران فقالا: ما ندري والله: أنت الخليفة أو عمر؟ قال أبو بكر: لا، بل هو لو كان شاء.

فجاء عمر وهو مغضَب حتى وقف على أبي بكر، فقال: أخبرني عن هذا الذي أقطعتهما: أرض لك خاصة أو للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين عامة! قال: فما حملك على أن تخص بها هذين؟ قال: استشرت الذين حولي فأشاروا عليَّ بذلك، وقد قلتُ لك: إنّك أقوى على هذا مني؛ فغلبتني.

أقول: وقد أورد البخاري هذه القصة في التاريخ الصغير (1/ 56) موجزة عن عبيدة السلماني أن عيينة والأقرع استقطعا أبا بكر أرضاً، فقال عمر: إنما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤلِّفكما على الإسلام، فأما الآن فاجهدا جهدكما.

وللصدّيق العظيم - رضي الله عنه - وأرضاه دور في استتابته وإصلاحه، فقد قال ابن كثير: كان طليحة الأسديّ ارتدّ في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلمّا مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام بمؤازرته عيينة بن حصن بن بدر الفزاري، وارتدّ عن الإسلام وقال لقومه: والله! لَنبيٌّ من بني أسد أحبُّ إليّ من نبي من بني هاشم! وقد مات محمد، وهذا طليحة فاتبعوه، فوافقه قومه بنو فزارة على ذلك.

فلمّا كسرهما خالد بن الوليد - رضي الله عنه - هرب طليحة بامرأته إلى الشام فنزل على بني كلب، وأَسَر خالدٌ عيينة بن حصن، وبعث به إلى المدينة مجموعةً يداه إلى عنقه، فدخل المدينة وهو كذلك، فجعل الوِلدان والغلمان يطعنونه بأيديهم ويقولون: أيْ عدوَّ الله! ارتددت عن الإسلام؟ فيقول: والله ما كنتُ آمنتُ قطّ!

فلما وقف بين يدي الصّدّيق - رضي الله عنه - استتابه وحَقَن دمه، ثم حسُن إسلامه بعد ذلك .. وأما طليحة فإنه راجع الإسلام بعد ذلك أيضاً [18].

وفي عهد عمر - رضي الله عنه - كانت لعيينة قصة مع أمير المؤمنين ذكرها البخاري عن ابن عباس، قال: قدم عيينة ابن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً.

فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي! لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه [19]! فقال: سأستأذن لك عليه.

قال ابن عباس: فاستأذن الحرّ لعيينة، فأذِن له عمر، فلما دخل عليه قال: هِي يا ابن الخطاب! فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل! فغضب عمر حتّى همّ به، فقال له الحُر: يا أمير المؤمنين! إنَّ الله - تعالى - قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 991]، وإن هذا من الجاهلين! واللهِ ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافاً عند كتاب الله [20].

وبقي إلى زمان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقد ذكر أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب (3/ 168) أنه دخل على عثمان فأغلظ له القول، فقال عثمان: لو كان عمر ما قدمت عليه بهذا!

وبعدُ: ففي قصة عيينة دروس وعبر، أود أن أعرض إلى بعضها بإيجاز فيما يأتي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير