قالت امرأة حبيب بن محمد عن زوجها أنه كان يقول إن مت اليوم فأرسلي إلى فلان يغسلني وافعلي كذا وكذا فقيل لامرأته أرأى رؤيا
: قالت هذا قوله كل يوم
قال ثابت البناتي وما أكثرَ عبدٌ ذكر الموت إلا رئي ذلك في عمله
سكت الشيخ ثم تغيرت نظراته فجأة قائلا: ولكن قل لي ياعبدالمجيد هل كنت في الحج كل هذا الوقت هل أصبحت كذوبا؟ الناس عادوا من الحج منذ فترة طويلة أين كنت فيها؟
توتر عبدالمجيد فقال متلعثما: شيخي شيخي لاتظلمني فأنا عندما عدت من الحج أصبت بنزلة برد شديدة لاختلاف الجو، وبقيت طريح الفراش أكثر من أسبوع.
الشيخ: لا بأس طهور إن شاء الله ولكن ماذا فعلت بعدها؟
عبدالمجيد: عندما شفيت ذهبت لأعايد الأقارب فأنا كنت في الحج ولم أعايدهم وانشغلت بصلة الرحم بعدها بدأت الدراسة وأنت تعرف أنني في بداية كل فصل دراسي انشغل بالبحث عن المراجع التي يذكرها لنا الأساتذة في المحاضرات الأولى، فأنا لاأحب أن أكتفي بمذكرة مصورة، أحب الرجوع إلى كنوز المعارف والعلوم، حتى أن أحد زملائي قال لي:
عبدالمجيد يالغبائك لماذا تبحث عن هذه المراجع قم بتصوير المذكرة وهذا كاف، لاتكن غبيا هذه المراجع لايأتي منها شيء في الاختبار، لاترجع لها إلا إذا قال الأستاذ أنها داخلة في الاختبار
فرددت عليه مستنكرا: وهل نتعلم من أجل الاختبار فقط.
تفرس الشيخ في ملامح عبدالمجيد المتقدة حماسا فتمتم مطمئنا: وفقك الله يابني
عبدالمجيد: ولكي تصدق مدى جديتي أتيت بكتاب سأقرؤه عليك بالتدريج، فأنا أعلم أن الطالب يجب أن يبحث ويجتهد ولا يكون مستمعا فقط، فهذا الكتاب الصغير الحجم يفيدنا في موضوعنا فهويتحدث عن أول من وضع النحو وأسباب وضعه، وعن أوائل النحويين، في عبارات قصيرة موجزة وشاملة
الشيخ: لاتبدأ الآن ياولدي، تعش عندي أولا لأني لم أرك منذ وقت طويل ثم اقرأ كتابك بعد ذلك
عبدالمجيد: ولكني متلهف لقراءته، وشهيتي لطلب العلم أشد منها للطعام
فدعني أبدأ
الشيخ: لك ذلك ياولدي
.......................................
أخبار النحويين
أبو طاهر المقرئ
كتاب فيه ذكر مشاهير النحويين وطرف من أخبارهم وذكر أخذ بعضهم عن بعض والسابق منهم إلى علم النحو.
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
اختلف الناس في أول من رسم النحو فقال قائلون أبو الأسود الدؤلي وقال آخرون نصر بن عاصم الدؤلي ويقال الليثي وقال آخرون عبد الرحمن بن هرمز وأكثر الناس على أبي الأسود الدؤلي
........................
واسمه ظالم بن عمرو بن سليمان بن عمرو بن حلس بن نفاثة بن عدي بن الدؤل بن بكر بن كنانة وكان من سكان البصرة، والنسبة إليه دؤلي كما ينسب إلى نمر نمري فيفتح استثقالاً للكسرة ويجوز تخفيف الهمزة فيقال الدولي بقلب الهمزة واواً محضة لأن الهمزة إذا انفتحت وكان قبلها ضمة فتخفيفها بقلبها واواً محضة كما يقال في جُؤن جُوَنٌ وقد يقال الدّيليّ بقلب الهمزة ياء حين انكسرت. فإذا انقلبت ياء كسرت الدال لتسلم الياء كما تقول قيل وبيع.
وقال الأصمعي أخبرني عيسى بن عمر قال الديل بن بكر الكناني إنما هو الدُّؤل فترك أهل الحجاز الهمز وأنشد لكعب بن مالك.
جاؤوا بجيش لو قِيسَ مُعْرسُه ما كان إلا كمُعْرَس الدُّئل
والذي يقول أبو الأسود الديلي يريد به النسبة إلى الدؤل على تخفيف الهمزة الذي ذكرناه لأنه لا خلاف في نسبه.
وكان أبو الأسود ممن صحب علياً صلى الله عليه وكان من المتحققين بمحبته ومحبة ولده وفي ذلك يقول:
يقول الأرذلون بنو قشير طوالَ الدهر لا تنسى عَلِيّا
أحِب محمداً حباً شديدا وعبَاسا وحَمْزةَ والوصيّا
فإن يك حبُّهم رُشداً أُصِبْه وليس بمخطئ إن كان غَيّا
وكان نازلاً في بني قشير بالبصرة وكانوا يرجمونه بالليل لمحبته لعلي وولده فإذا أصبح وذكر رجمهم قالوا: الله يرجمك، فيقول لهم: تكذبون لو رجمني الله لأصابني وأنتم ترجمون فلا مصيب.
.........................................
وقد اختلف الناس في السبب الذي دعا أبا الأسود إلى ما رسمه من النحو،
¥