[محنة تعرضت لها أسرة في حج هذا العام 1426 هـ: ادخل ثم ادع]
ـ[طارق]ــــــــ[30 - 01 - 2006, 12:36 ص]ـ
أم صابرة وأب صبور
محنة تعرضت لها أسرة في حج هذا العام 1426 هـ
يتعرض الإنسان للمحن بين الحين والآخر، لكن الفائز هو من يعلم أن هذا ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، فيصبر ويحتسب مصداقاً لقوله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة:155)، والصبر الحقيقي هو الذي يتحقق فيه قوله صلى الله عليه وسلم ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) متفق عليه من حديث انس رضي الله عنه، ولقد حدثت محنة لأسرة كريمة كانت تحج هذا العام مع الحملة التي كنت فيها، والتي شرفتني المؤسسة الخيرية التي نظمتها بأن أكون مديراً لحملتها، وتبدأ القصة بعد وصولنا إلى مخيمنا بمنى فجر اليوم الثامن، وبعد تسكين الحجاج، وفي حوالي الساعة السادسة صباحاً أطفأت جهاز الجوال لكي اسكن إلى الراحة قليلاً، إلا أنه في حوالي الساعة السابعة والنصف أيقظني أحد حجاج الحملة ذاكراً لي أن أخاه الشيخ غازي ((وهو على معرفة وثيقة بي)) يطلب الحديث معي لأمر ضروري وهام، ففوجئتُ به يقول لي أن أخاه فلان والذي معه زوجته وابنته، وهم يحجون معنا قد مات لهم ابن منذ قليل في حادثة سيارة، ولا يعرفون كيف يوصلون الخبر له، وطلب مني بمساعدة بعض حجاج الحملة إبلاغه، لأن الفتى بالمستشفى، وهم يريدون معرفة موقفه (هل سيعود مع زوجته وابنته وأخيه)، فأبلغته بصعوبة إعطائه الخبر دفعة واحدة، ولكن يمكن القول بأن الابن أصيب في حادث وهو بالمستشفى (وكل هذا صحيح) وينبغي أن يذهب إليهم، فوافقني، فاجتمعت مع مجموعة من الحملة توسمت فيهم الخير، وأبلغتهم بما حدث، ونادينا على عم الميت الذي أحضر لي الجوال، وأبلغناه بالخبر بعد أن قلت له أنه رجل ويجب أن يكون موقفه في هذه اللحظة مشرفاً، ثم بحثنا عن الأب فوجدناه نائماً، فأيقظته، وطلبت منه الذهاب لغسل وجهه لأننا سنتحدث في أمر هام يتعلق بحملة الحج، وجلسنا في انتظاره، وفي هذه الأثناء جاءنا ابن مطوف الحملة واسمه خالد وهو شاب مهذب وعلى خلق، فأجلسته وشرحت له الأمر، فقال إنه مستعد لتدبير سيارة تقوم بإيصالهم إلى مكة، ومن ثم يتصرفون من هناك، فحمدنا له موقفه هذا، وقد مرت علينا لحظات عصيبة، وقد كنت أفكر في اختيار الكلمات التي سأقولها، كما كنت أفكر في ردة الفعل لديه، وكيف يكون تصرفنا تجاهها.
وبعد قليل جاءنا والد الميت فرأى تجمعنا، فتساءل عن تجمعنا هذا، فما كان من أخيه الأصغر الذي معنا إلا أن اتصل بالشيخ غازي وقال له: معك فلان فكلمه. فأخبره بأن ابنه قد أصيب في حادث وهو الآن بالمستشفى، فقال له: هل مات؟. ويبدو أن الإجابة كانت غير واضحة وفيها تمويه، فأغلق الجوال. فأحضرت له كرسياً وطلبت منه الجلوس عليه، ثم قلت له إن الأمر يحتاج منك إلى حكمة في توصيل الخبر إلى زوجتك، ولا تشغل بالاً بموضوع السيارة فقد تم تدبيرها.والحمد لله لقد رأينا منك ثباتاً وشجاعة. فقال إنني لا أستطيع أن ابلغ أمه لأنها مريضة بالسكر، وأخاف أن تموت مني. فتركته برهة لكي يفكر في الأمر، وما هي إلا لحظات وجاءت زوجته تنادي عليه، وقد كان توقعه هو ونحن جميعاً إن أحداً ابلغها بالأمر، ووضعنا أيدينا على قلوبنا، منتظرين ردة الفعل، لكنها كانت قد جاءت بمبلغ من المال لشراء إفطار للنساء اللاتي معها، وبعد قليل اختفى زوجها، ثم جاءني وقال لي إنني قد أبلغت زوجتي، وقد رفضتْ فسخ الحج والسفر وأصرتْ على البقاء، فأشفقتُ عليه وقلت له إن الأمر ليس بسيطاً ولا سهلاً والابن في المستشفى، والأمر يحتاج منك إلى إفهامها ذلك، ففوجئتُ به يقول لي إنه قد عرف إن ابنه قد مات، وقد أخبر زوجته بذلك، وقد أصرت على عدم فسخ الحج، وقالت إنه قد مات ويرحمه الله، وأما نحن فسوف نبقى لتكملة الحج.
الحقيقة: لقد فوجئت بهذا الموقف، وكذلك فوجئ من معي، وعرفت أن الله قد ربط على قلبها، ومنحها الصبر الذي قد يفقده الكثيرون في مثل هذا الموقف، بل في مواقف أقل من هذا بكثير.
جلسنا بعد ذلك نعزيه، ونطلب منه أن يكثر من الدعاء لابنه في هذه الأيام والليالي المباركة.
الخلاصة آيها الأحبة أننا رأينا بأم أعيينا كيف ربط الله على قلوب هؤلاء، فلم نر منهم حينذاك ولا طوال رحلة الحج ما يُظهر التسخط على قدر الله.
ولقد استأذنت شقيق الوالد وعم الفتى في ذكر قصتهم للعظة والاعتبار فأذن لي دون ذكر اسم الأب.
وإني لأبشر هذا الوالد وهذه الأم بهذا الحديث العظيم: روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)).
فاللهم جازي هذه الأسرة الكريمة بما صبروا، واغفر لميتهم وارحمه، واجعل داره جنات النعيم.
كما أدعو جميع القراء أن يدعوا للميت بالمغفرة والرحمة ولآله بالصبر.
وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين.
¥