جِنايَةُ المَدحِ على المَمْدوح
ـ[ناصر الكاتب]ــــــــ[16 - 02 - 2006, 01:50 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشاعر: وإن امرؤٌ مدَحَ امرأً لنواله .. وأطال فيه فقد أرد هجاؤه
لي صاحبٌ أعاتِبُه –كثيرا- على مبالغتِه في الثناء، أو إكثاره منه، ليس تنقصا مني لمن مدح؛ بل لأن المدح إذا زاد عن حده انقلب ذمًّا؛ خاصة إذا سيق في غير موضعه؛ كأن تمجِّد (شخصًا) في مجلس لم يتبين للسامع فضلُ ممدوحك الذي استحق به هذا التمجيد.
فقد تجد حينئذ من السامع نقيض ما تريد؛ لأنَّك جعلتَ للممدوح صورةَ لابسِ الثوب الفضفاض الذي لا يتبين كمُّه من طرفه، ولا يظهر لك من لابسه إلانَفْسًا تتحرك داخل غطاء!
ولو أنك بينت للسامع الفضلَ الذي استحق به الممدوح ما نال؛ لعرفَ العلاقة بين «اللابِس» و «الملبوس».
وقد يكون السامعُ عارفا بفضل ممدوحك؛ لكن إسرافك في المدح هيَّج في نفسِه الحسد ..
وأنت بذلك تفتح بابا للغيبة والبغضاء؛ دون قصدٍ منك!
وعلى المادح أن يقتصد في مدحه، وأن يضع الناس في مواضعهم، ثم عليه أن يُقِّدر موضع الكلام من الأحوال؛ فما في كلِّ وقتٍ (يحلو) المدح.
وقد رأيتُ من أمرِ صاحبي ما أكَّدَ لي صحة عتابي له ونصيحتي إياه؛ إذ ورد ذكر رجلٍ قريبٍ له، فانساق –كعادتِه- في الثناء، حتى أكثر، فهيَّجَ والدَه؛ فلم تطب نفسُ والده إلا بأن يذكر عيوبا لذلك الممدوح (المسكين)!.
فاقتصد أيها المادح في مدحك؛ فربَّ مدحٍ أظهرَ للناس -في الممدوح- عيبا.
وإنه ليسوؤني –في بعضِ الأحيان- أن أُمْدَح في مجمع من الناس، ويعودُ على نفسي من هذا المدح حرجٌ وضيق؛ وليس ذلك خوفاً من الرياء والعجب؛ إذ إن انقطاعَ النسب بيني وبين هذا المدح ظاهر؛ لكن ذلك من خشية الازدراء والتنقص الحاصل في نفوس السامعين تجاه الممدوح.
ولقد صدق ابنُ حزم رحمه الله حين قال:
«أبلغ في ذمك من مدحك بما ليس فيك، لأنه نبه على نقصك، وأبلغ في مدحك من ذمك بما ليس فيك لأنه نبه على فضلك، ولقد انتصر لك من نفسه بذلك وباستهدافه إلى الإنكار واللائمة». [رسائل ابن حزم: مداواة النفوس: 385]
ولبعضِ المدحِ جناياتٌ على الممدوح أخرى ..
اللهم أصلح قلوبَنا، واجعلنا من النمط الأوسط.
ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[16 - 02 - 2006, 01:56 ص]ـ
كلام جميل أستاذ ناصر ..
قلمك يذكّرني بعصور الكتابة المزدهرة. شكرا لك.
ـ[ناصر الكاتب]ــــــــ[16 - 02 - 2006, 10:01 م]ـ
أختي الأستاذة وضحاء،
أشكر لك مرورك، وأتمنى أن أصل لما وصلَ إليه أولئك المبدعون.
أخي المشرف، وقعتُ في خطأ لم أنتبه إليه وهو في كتابتي لقول الشاعر: (فقد أرد هجاؤه)
والصحيح: (فقد أرادَ هجاءَه).
فحبذا التعديل.
وشكرا لكم.
ـ[أنا البحر]ــــــــ[17 - 02 - 2006, 12:59 ص]ـ
بورك فيك هذه الدرر ...
ـ[ناصر الكاتب]ــــــــ[21 - 02 - 2006, 01:36 ص]ـ
وفيك أيها البحر ..