تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[اقتباس]

ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[30 - 01 - 2006, 01:07 م]ـ

تذكر كتب السير أن عمر بن الخطاب عرض على أبو الدرداء رضي الله عنهما ولاية الشام فرفض رفضاً شديداً لثقل الأمانة ومخافته من أن يظلم أحداً, وهو الصحابي المشهود له بالتقى والصلاح والزهد والورع, وطلب من عمر أن هو أراد أن يذهب إلى أهل الشام ليعلمهم أمور دينهم وليصلي بهم فقط دون أن يكون له من أمر الولاية شيء فوافق الفاروق على ذلك.

وتوجه العابد الزاهد والصحابي الجليل أبو الدرداء إلى دمشق, فلما بلغها وجد أهلها قد أولعوا بالترف، وانغمسوا في النعيم على حد وصفه لهم فهاله ذلك!! ودعا الناس إلى المسجد، فاجتمعوا عليه، فوقف فيهم وقال:

يا أهل دمشق أنتم الإخوان في الدين، والجيران في الدار، والأنصار على الأعداء .. يا أهل دمشق: ما الذي يمنعكم من مودتي!! والاستجابة لنصيحتي!! وأنا لا أبتغي منكم شيئاً، فنصيحتي لكم ومؤونتي على غيركم ... .يا أهل دمشق: ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون، وأراكم قد أقبلتم على ما تكفل لكم به الله عز وجل وتركتم ما أمرتم به ... يا أهل دمشق: ما لي أراكم تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون مالا تسكنون، وتؤملِّون ما لا تبلغون.لقد جمعتِ الأقوامَ التي قبلكم، وأمَّلت فما هو إلا قليل حتى أصبح جمعهم بوراً، وأملهم غروراً، وبيوتهم قبوراً ... هذه عاد يا أهل دمشق قد ملأت الأرض مالاً وولداً، فمن يشتري مني تركة عاد اليوم بدرهمين؟ فجعل الناس يبكون حتى سُمع نشيجهم من خارج المسجد.

هذا ما قاله أبو الدرداء في زمن لا زال فيه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من يسير على وجه البسيطة لكنه وإخوانه_ رضي الله عنهم_ كانوا يعلمون أن الدنيا دار فناء والآخرة دار البقاء فيتذاكرونها دوماً حتى لا تموت قلوبهم.

وإن كان عهد عمر_ رضي الله عنه_ عهد فتوحات وعز ونصر للإسلام والمسلمين وذل للكافرين وأهل دمشق قد شغلهم ما شغلهم_ على حد وصف أبي الدرداء لهم_ فلقد كان الإسلام قوياً و عزيزاً وجيوشه تجوب الأرض وتفتح الأمصار والبلدان واحداً تلوا الآخر, فلا هموم ولا مآسي ولا مصائب ولا شدائد ولا مخافة على الدين وأهله (ظاهراَ) , والدنيا مقبلة بزخرفها وأموالها والجبلة البشرية تميل إلى الركون والراحة والتنعم_ وهذا ما يفسر الغفلة التي وجدها أبو الدرداء عند البعض فقام بهم خطيباً وواعظاً يذكرهم الآخرة وزوال الدنيا_.

تذكرت هذه القصة وأنا أنظر لحال أمتنا اليوم وهي على النقيض تماماً من تلك الحقبة التاريخية العظيمة التي تولى فيها الفاروق مقاليد الخلافة فأعز الله به الإسلام والمسلمين. نظرت في حالنا اليوم فوجدت أن الإسلام ضعيف بأهله عزيز بنفسه فلا حكام اليوم - لو اجتمعوا - يساوون مولاً عند عمر , ولا المجتمع الطاهر المبارك الذي فيه من بقايا صحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم كحال مجتمعنا اليوم. ورغم أننا في ذل وهوان ولسنا في عز وتمكين كأهالي دمشق ويستوجب علينا أن نبحث عن ما يعيدنا لسابق عهدنا إلا أننا لم نفعل بل أصبحنا أشد ظلماً لأنفسنا ولهواً بدنيانا وانغماساً بالترف وانشغالاً عن قضايانا وركضاً خلف الدنيا الواهية إلا من رحم ربي.

ماذا عسى أبو الدرداء أن يقول اليوم لو رأى أمة محمد صلى الله عليه وسلم تنهش بها أمم الكفر والطغيان من يهود ونصارى كما تنهش الكلاب المسعورة على الجيفة الميتة, يقتلون شيوخهم ,ويأسرون شبابهم, وينتهكون حرماتهم, ويهدمون مساجدهم والأمة غافلة ... !!!

فالأقصى منذ أكثر من سبعين عاماُ وهو أسير .. أفغانستان والعراق والشيشان وأوزباكستان وكشمير والفلبين وغيرها .. دماء تسيل ونساء ترمل وأطفال ييتمون , مآسي يندى لها الجبين .. بلغت أعداد القتلى منا أكثر من مليوني مسلم خلال عشر سنوات فقط .. !!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير