[القول المبين في تراجم اللغويين المعاصرين]
ـ[ابن النحوية]ــــــــ[06 - 05 - 2006, 11:48 م]ـ
كنت قد اقترحت أن يكون الفصيح منبرًا للتعريف بكتب اللغة العربية وآدابها، إلى جانب التعريف بمن يمكن الإحاطة بهم من أعلام العصر الذين خدموا لغة القرآن وذبوا عن حياضها في وجه التغريب وتذويب الهوية، مع ذكر أبرز أعمالهم وآثارهم؛ ليفيد منها اللاحق، ويعتبر بها المحب الوامق، وسأبدأ بالتعريف برجل قد يجهله أكثر المختصين فضلا عن غيرهم، وهو عالم الهند:
(عبد العزيز الميمني الراجكوتي)
مولده ونشأته:
ولد عبد العزيز الميمني سنة (1306هـ = 1888م) ببلدة راجكوت، ومنها جاء نسبته الراجكوتي، وهي تقع في إقليم كاتهيا دار (التي تعرف الآن باسم سوراشترا على الساحل الغربي للهند)، ونشأ في بيت عريق في التجارة.
التحق عبد العزيز الميمني بالكتاب، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، ثم استكمل دراسته العالية في "لكهنو" و"رامبور" و"دهلي"، والتقى بشيوخ كثيرين من أمثال الشيخ حسين بن محسن الأنصاري الخرزجي السعدي، وقد أجازه برواية الحديث النبوي، ونذير أحمد الدهلوي، ومحمد طيب المكي.
وشغف الميمني بالعربية، فتعمق فيها وعكف على الشعر العربي قراءة وحفظا، حتى إنه حفظ ما يزيد على 70 ألف بيت من الشعر القديم، وكان يحفظ ديوان المتنبي كاملا.
في رحاب الدرس:
وبدأ الميمني حياته بالكلية الإسلامية ببيشاور، حيث قام بتدريس العربية والفارسية، ثم انتقل منها إلى الكلية الشرقية بمدينة لاهور عاصمة إقليم البنجاب، ثم استقر بالجامعة الإسلامية في عليكرة، وظل يتدرج بها في المناصب العلمية حتى عين رئيسا للأدب العربي بالجامعة، ومكث بها حتى أحيل إلى التقاعد. لكنه لم يركن للراحة فلبى دعوة جامعة كراتشي بباكستان، ليتولى رئاسة القسم العربي بها، وأسندت إليه مناصب علمية أخرى، فتولى إدارة معهد الدراسات الإسلامية لمعارف باكستان، وظل يعمل في هذه الجامعة حتى وفاته.
الرحلة لتركيا والمشرق العربي:
وكان الميمني واسع الثقافة العربية، وأتاح له دأبه الشديد في مطالعة خزائن الهند التي تحوي آلاف الكتب العربية المخطوطة، أن يقف على النوادر منها، وأن يتحف المكتبة العربية بما تيسر له طبعه فيها.
ولم تشف خزائن الكتب في الهند ظمأه العلمي، فاتجه إلى البلاد العربية وتركيا سنة (1354هـ = 1936م) بحثا عن المخطوطات، ووفق في الوقوف على النادر منها، فطاف بخزائن إستانبول وزار مكتباتها التي تضم أكبر مجموعة خطية من التراث العربي، وزار القاهرة وتوثقت صلته بعلمائها، واتصل بلجنة التأليف والترجمة والنشر التي كان يرأسها الأديب الكبير أحمد أمين، كما زار سوريا، واستعانت به وزارة الثقافة بدمشق للاستفادة من خبرته في مجال المخطوطات، وكان المجمع العلمي العربي بدمشق قد اختاره عضوا مراسلا به في سنة (1347هـ = 1928م) وهو في الأربعين من عمره تقديرا لنبوغه المبكر، ومعرفته العميقة بالعربية وآدابها، وظل في المجمع 50 عاما أو يزيد.
اتصال بالمؤسسات الثقافية المصرية:
وكان لمصر فضل التعريف بالشيخ عبد العزيز الميمني وإظهار علمه فقد نشرت له لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة كتاب سمط اللآلي لأبي عبيد البكري، وقد صدر الكتاب في مجلدين سنة (1354هـ = 1936م)، والكتاب في شرح كتاب الأمالي لأبي علي القالي.
وقد أبان العلامة الميمني في تحقيق هذا الكتاب عن "علم غزير وإحاطة جامعة بالتراث العربي، وبخاصة ما يتصل بالشعر ورواياته، وأخبار الشعراء والرواة ومداخلة الكتب وبراعة التعامل معها، ويعد تحقيق الكتاب آية من آيات الإبداع في تحقيق النصوص وتوثيقها".
وكان الشيخ أثناء إقامته بالقاهرة يمضي أكثر وقته في دار الكتب المصرية عاكفا على نسخ المخطوطات التي يرى أهميتها، وكذلك كان يفعل في أثناء زيارته للشام والعراق وتركيا، باحثا عن النفائس، ومنقبا عن النوادر مما لم يسبق نشره، ولم يسمع به إلا العدد القليل من العلماء.
¥