شهرة لم يقترب من ذروتها إلا القليل، من حدود ازدحام الجمهور في الطرقات لسماع (إنشاده) .. وحتى تملك شريط الكاسيت، ولئن كان قد أخذ على عاتقه، بإحساس جمعي غامر أن ينطق سياسياً وطبقياً وعروبياً باسم الملايين الكادحة المظلومة المنتجة، بطريقة وأسلوب خاصين، .. ولئن كان حضوره على المسرح في الإلقاء، أو في شريط الكاسيت ذا روعة نادرة. فإن هذا ليؤكد صميمية التفاعل، والتعبير، والتحمّس حتى (الشتم)، وهو في هذا وفي غيره، لا يساير الجمهور بل يحمل مرارة أحاسيسه بصدق عال، وقليلون جداً هم الذين دفعوا الثمن الذي دفعه من أجل مبادئه التي يحمل.
كثيرون هم الذين يحملون الأفكار والمبادئ التي آمن بها مظفر النواب، غير أنه وحده وقف فوق تلك الذروة، مما يؤكد أن لطريق القول، والصياغة الفنية بمجملها، إضافة الى حياته، سحراً خاصاً طافحاً بالإبهار، وبالفريد المتميز.
يتوقف الكثيرون عند محطة الصراخ من الألم، أو رفع نبرة الصوت بغرض التعرية، كعملية تفاعل، أما عشاق الشعر، عشاق الإبداع، فإنهم يتوقفون عند الصياغة الجميلة العالية، صورةً، وشفافيةً، وتعبيراً، وغنائية، في القصائد الحاملة لهمّ هذا الوطن والأمة، وفي تلك التي لا تقال إلا بمرافقة وتريّات الروح، وعلى كأس يختصر الأمداء، والنبض، والتوق بقدر ما يوقف صاحبه على حد سكين.
هنا، لا البوح بالاسم، ولا المجاهرة بالجرح هما ضفتا الطريق، بل ثمة شيء أعمق في الروح/ الغنائية/الذوبان/الإحتراق/ المشبع بحنين صوفي من نوع خاص/الملامح المبثوثة في الألوان، في المفردة، في الصورة، والعشق الجارف حتى التماهي/المقطوع حتى الإفتراق.
عوالم من الخلق ينشأ بعضها إثر بعض بعكوسات فيضية تأخذ شكل العناقيد الكثيرة المدلاة في شجرة الكرمة، مع محافظة على بذاخة الإيقاع الشعري (الوزن القوي)، ترافقها اختراقات محمولة على طبق الوعي من غير لواذ بمسوّغات غير بصيرة، تتراوح -في محطة التدقيق- بين المباشرة التي تتخلى عن ثياب الفنية لصالح مضمون الخطاب التحريضي، و: تحطيم إيقاعية الوزن، و: صياغة عوالم لغوية خاصة.
كلمة أخيرة في هذه الشهادة العجلى، أقولها باختصار أن مظفر النواب واحد من أهمّ شعراء الحداثة، ومما يتوقف عنده أن الاهتمام بدراسة شعره لم يقترب قط من حدود شهرته، ولسنا ندري متى يُنصف مع غيره، بعيداً عن تجمعات التطويب والتكوكب الذي يحتاج الى كثير من النزاهة وجرأة الضمير.
. المصدر:
كتاب "مظفر النواب شاعر المعارضة السياسية"
المؤلفان: عبدالقادر الحصني وهاني الخيِّر
دار المنارة-دمشق
الطبعة الأولى 1994م
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[31 - 07 - 2006, 07:59 م]ـ
وهذا الثوريّ المتخم بالصدف البحريّ
بيروت
تكرّش حتى عاد بلا رقبه
أقسمت بتاريخ الجوع
ويوم السَغَبة.
لن يبقى عربي واحد،
ان بقيت حالتنا هذي الحالة
بين حكومات الكسبه
القدس عروس عروبتكم؟!!
فلماذا ادخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خماجركن، وتنافختم شرفاً
وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض؟؟!!
فما أشرفكم!
أولاد ....... هل تسكت مغتصبه؟؟!
أولاد ........ !
لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى،
أمَّا أنتم
لا تهتز لكم قصبه!
الآن اعريكم
في كل عواصم هذا الوطن العربيّ قتلتم فرحي
في كل زقاق أجد الأزلام أمامي
أصبحت احاذر حتى الهاتف، حتى الحيطان ..
وحتى الأطفالْ
أقيء لهذا الأسلوب الفج
وفي بلد عربيِّ كان مجرد مكتوب من أمي
يتأخر في أورقة الدولة
شهرين قمريين
تعالوا نتحاكم قدام الصحراء العربية
كي تحكم فينا
أعترف الآن أمام الصحراء،
بأني مبتذل وبذيء وحزين كهزيمتكمْ
يا شرفاء مهزومين!
ويا حكاماً مهزومين!
ويا جمهوراً مهزوماً! ما أوسخنا!!
ما أوسخنا! ما أوسخنا!
ونكابر!!! ما أوسخنا!
لا أستثني أحداً
هل تعترفون؟
أنا قلت بذيء،
رغم بنفسجة الحزن
وايماض صلاة الماء على سكري،
وجنوني للضحك بأخلاق الشارع والثكنات
ولحسن الفخذ الملصف في باب الملهى.
يا جمهوراً في الليل يداوم في قبو مؤسسة الحزن!
سنصبح نحن يهود التاريخ
ونعوي في الصحراء
بلا مأوى!
هل وطن تحكمه الأفخاذ الملكية،
هذا وطن؟؟!
أم مبغى؟!
هل أرض هذي الكرة الأرضية أم وجر ذئاب؟
¥