يشار إلى أن جثة الفتاة المحروقة يتم تداولها ضمن مقطع فيديو وعظي عبر وسائط نقل أجهزة الهواتف الجوالة (البلوتوث)، على أنها لشاب سعودي تعرض لعذاب القبر بعد أن توفي وهو في الثأمنة عشرة من عمره عاصيا لله، بعدم إقامته للصلوات الخمس، فضلا عن أنه كان ممن يسمعون المعازف والأغاني ـ حسب ما جاء في المقطع.
وزعم المصدر الأساسي لمقطع الفيديو الوعظي الذي تضمن لقطة لرجل يدعو لاتقاء عذاب القبر وبيده صور الفتاة المتوفية حرقا، أنه قرر نشر الصور بناء على طلب ذوي الشاب بغية الترهيب من عذاب القبر وأخذ العظة والعبرة من خلال المشاهد التي توضح الحال التي أصبح عليها ابنهم بعد تعرضه لعذاب القبر، على الرغم من عدم وجود حقيقة لهذا الابن على أرض الواقع.
وجاء في مقطع الفيديو أن ذوي المتوفى نبشوا قبر ابنهم بعد ثلاث ساعات من دفنه، للتأكد من أسباب وفاته الغامضة، إلا انه سرعان ما تحول النبش إلى ما أشبه بالرسالة والأمانة التي لا بد من إيصالها لكافة الشباب بعد مشاهدة آثار التعذيب والحروق، نتيجة اقترافه الذنوب والمعاصي.
وتبين فيما بعد أن صورة الشاب المزعومة تخص فتاة تم نشرها في موقع »العفن« على صفحات الإنترنت، وهو أحد المواقع الأجنبية المتخصصة بجمع أغرب صور الكوارث وأبشعها، وهي الصورة التي لم يتنبه مروجوها أنها لجثة لا يتفق وضعها مع شروط الدفن الإسلامي، ذلك لأن الملابس لم تنزع عن الجثة، فيما يدفن المسلمون موتاهم بعد تجريدهم من ملابسهم وغسلهم، ثم لفهم بقطعة من القماش تسمى الكفن.
وتضاف هذه القصة لعشرات القصص التي عادة ما يكون أبطالها أو أبرز مشاهدها الثعبان الأقرع، اشتعال القبر بالنيران، مشاهدات المغسلين في مغاسل الموتى التي تفيد بالحالة التي كانوا عليها أثناء تغسيلهم كالمرأة التي نزع جلدها أثناء خلع المغسلات لبنطالها بعد أن علق فيها، في إشارة إلى أن لبس النساء لهذا النوع من الملابس حرام.
وفي هذا الخصوص أوضح لـ«الشرق الأوسط» خالد العنزي، مستشار شرعي متخصص، أن استدرار الإيمان بالترغيب والترهيب ظاهرة قديمة تضمنت محاذير عدة من بينها التشكيك في كمال الشرع، حيث يكون بذهن من يسير في هذا الاتجاه وإن كان بلا وعي أن الرسالة الصحيحة الثابتة بالطريق الشرعي غير قادرة على الوصول إلى هدفها، فيتبرع المجتهد بقصص من عنده لسد جوانب النقص الكأمنة في قدرته على الإقناع.
وذهب إلى أن التركيز على جانب الترهيب والتخويف يفقد الإيمان جناحه الآخر، وهو الرجاء والرحمة وهو ما يخالف فلسفة الإيمان في الإسلام القائمة على الجمع بين جناحي الخوف والرجاء.
وشدد العنزي على أن القبر بكل ما يجري فيه من نعيم وعذاب، يعتبر قضية غيبية لا تدركها ملكات الناس، وهو ما يثير الريبة ـ كما ذكر ـ حول صدق إيمان المتورطين في هذه الظاهرة، حيث يحاولون تجسيد المغيب لاستجلاب إيمان الناس به.
وأوضح المستشار الشرعي أن عذاب القبر نفسه لم تعرف كيفيته كي يحكم الداعي بمدى صدق ما قدم للناس من صور، مدللا بجهل البعض في «أن النعيم والعذاب بالقدر المعلوم لنا في الدنيا يقعان على الجسد والروح تبع، وفي القبر يقعان على الروح والبدن تبع، ويوم القيامة يقعان عليهما معا».
وتساءل عن كيفية تمكن البعض من كشف آثار العذاب والنعيم اللذين يقعان في القبر على بدن المتوفى رغم أنهما يقعان على روحه لا بدنه ـ حسب رأيه.
واعتبر أن من قام بتصوير ونشر مثل مقطع الفيديو الذي زعم تعرض شاب سعودي لعذاب القبر، يمثل الطرف الآخر ممن وظف التقنيات الحديثة بصورة فاقدة للعقل والوعي.
وعلى الطرف الآخر يعتقد الكاتب والأكاديمي السعودي الدكتور صالح بن سبعان أن اعتماد خطاب الترهيب والتخويف بذكر عذاب القبر من الله تجن على الدين وأن له آثارا تنعكس بشكل سلبي على نظرة الأجيال لخالقهم ولدينهم العظيم، مبديا تخوفه من استغلال المعادين للدين الإسلامي لهذا التصوير للنيل من الشريعة الإسلامية.
وقال إن البعد التربوي للدين مغيب تماما لدى عدد من الدعاة، مطالبا بضرورة تغيير الخطاب الإسلامي تغييرا جذريا، وذلك لنقل الصورة الحقيقية للدين الإسلامي، والوقت الحالي.
وفيما يتعلق برأي الطب النفسي في عرض صور جثث مشوهة ومتفحمة للاستدلال على عذاب القبر شددت الدكتورة نادرة عموري الاختصاصية في علم النفس العيادي وهي أستاذ مشارك بجامعة القدس المفتوحة، على حظر الطب النفسي مبدأ اللجوء للتخويف والترهيب مع الأطفال وحتى سن 18 عاما، لتحقيق مكاسب تربوية لما قد يسببه من آثار سلبية على نفسية الطفل تتمثل في معاناته من الهلع الشديد مستقبلا.
وأضافت أن إلقاء مثل هذه المحاضرات الدينية وعرض صور لجثث أموات على حضور من مختلف الأعمار والثقافات ليس بالأمر الصائب، وذلك لاحتمالية وجود من هو مصاب باضطرابات نفسية ومعاناته من القلق والخوف الشديدين.
جريدة الشرق الأوسط