ـ[مشمش]ــــــــ[01 - 09 - 2006, 12:42 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإيمان
****
و حدثني حرملة بن يحيى التجيبي أخبرنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال
" لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله عز وجل
(ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم)
وأنزل الله تعالى في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم
(إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)
و حدثنا إسحق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ح و حدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد قالا حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي عن صالح كلاهما عن الزهري بهذا الإسناد مثله غير أن حديث صالح انتهى عند قوله فأنزل الله عز وجل فيه ولم يذكر الآيتين وقال في حديثه ويعودان في تلك المقالة وفي حديث معمر مكان هذه الكلمة فلم يزالا به
" صحيح مسلم"
صحيح مسلم بشرح النووي
أما قوله: (لما حضرت أبا طالب الوفاة)
فالمراد قربت وفاته وحضرت دلائلها وذلك قبل المعاينة والنزع , ولو كان في حال المعاينة والنزع لما نفعه الإيمان , ولقول الله تعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن}. ويدل على أنه قبل المعاينة محاورته للنبي صلى الله عليه وسلم ومع كفار قريش. قال القاضي عياض رحمه الله: وقد رأيت بعض المتكلمين على هذا الحديث جعل الحضور هنا على حقيقة الاحتضار , وأن النبي صلى الله عليه وسلم رجا بقوله ذلك حينئذ أن تناله الرحمة ببركته صلى الله عليه وسلم قال القاضي رحمه الله: وليس هذا بصحيح لما قدمناه.
وأما قوله: (فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقال)
فهكذا وقع في جميع الأصول ويعيد له يعني أبا طالب. وكذا نقله القاضي رحمه الله عن جميع الأصول والشيوخ قال: وفي نسخة (ويعيدان له) على التثنية لأبي جهل وابن أبي أمية. قال القاضي وهذا أشبه. وقوله (يعرضها) بفتح الياء وكسر الراء.
وأما قوله: (قال أبو طالب آخر ما كلمهم به هو على ملة عبد المطلب)
فهذا من أحسن الآداب والتصرفات وهو أن من حكى قول غيره القبيح أتى به بضمير الغيبة لقبح صورة لفظه الواقع.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أم والله لأستغفرن لك)
فهكذا ضبطناه (أم) من غير ألف بعد الميم وفي كثير من الأصول أو أكثرها (أما) والله بألف بعد الميم وكلاهما صحيح.
قال الإمام أبو السعادات هبة الله بن علي بن محمد العلوي الحسني المعروف بابن الشجري في كتابه " الأمالي ": ما المزيدة للتوكيد ركبوها مع همزة الاستفهام واستعملوا مجموعهما على وجهين: أحدهما: أن يراد به معنى حقا في قولهم: أما والله لأفعلن.
والآخر أن يكون افتتاحا للكلام بمنزلة (ألا) كقولك أما إن زيدا منطلق. وأكثر ما تحذف ألفها إذا وقع بعدها القسم ليدلوا على شدة اتصال الثاني بالأول لأن الكلمة إذا بقيت على حرف واحد لم تقم بنفسها فعلم بحذف ألف (ما) افتقارها إلى الاتصال بالهمزة. والله تعالى أعلم.
وفيه جواز الحلف من غير استحلاف وكان الحلف هنا لتوكيد العزم على الاستغفار وتطييبا لنفس أبي طالب. وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة بقليل. قال ابن فارس: مات أبو طالب ولرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأبعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما , وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام.
وأما قول الله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}: فقال المفسرون وأهل المعاني: معناه ما ينبغي لهم. قالوا: وهو نهي والواو في قوله تعالى: {ولو كانوا أولي قربى} واو الحال. والله أعلم.
وأما قوله عز وجل: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}
. فقد أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب. وكذا نقل إجماعهم على هذا الزجاج وغيره. وهي عامة فإنه لا يهدي ولا يضل إلا الله تعالى.
قال الفراء وغيره: قوله تعالى: {من أحببت} يكون على وجهين أحدهما معناه من أحببته لقرابته. والثاني من أحببت أن يهتدي
قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم: {وهو أعلم بالمهتدين} أي بمن قدر له الهدى. والله أعلم.
¥