تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبهذا رد العلماء على شبهة مانعي الزكاة لما تأولوا قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، بأنه خطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لفظا ومعنى فلا يشمل خلفائه لا من جهة اللفظ، وهذا أمر متفق عليه، لأن الخطاب جاء بصيغة المفرد، ولا من جهة المعنى، وهذا محل النزاع، لأن الصحيح أنه عام في حق كل من خلف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في منصب الإمامة: حفظا للدين وسياسة للدنيا به، وإلى ذلك أشار الخطابي، رحمه الله، بقوله:

"وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة} وَمَا اِدَّعَوْهُ مِنْ كَوْن الْخِطَاب خَاصًّا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ خِطَاب كِتَاب اللَّه تَعَالَى عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه:

خِطَاب عَام كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة) الْآيَة وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام}.

وَخِطَاب خَاصّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُشْرِكهُ فِيهِ غَيْره وَهُوَ مَا أُبِينَ بِهِ عَنْ غَيْره بِسِمَةِ التَّخْصِيص وَقَطْعِ التَّشْرِيك كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَة لَك} وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ}.

وَخِطَاب مُوَاجَهَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَجَمِيع أُمَّته فِي الْمُرَاد بِهِ سَوَاء كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوك الشَّمْس}. وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآن فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم) وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة} وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ خِطَاب الْمُوَاجَهَة. فَكُلّ ذَلِكَ غَيْر مُخْتَصّ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ تُشَارِكهُ فِيهِ الْأُمَّة فَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة} فَعَلَى الْقَائِم بَعْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِ الْأُمَّة أَنْ يَحْتَذِيَ حَذْوه فِي أَخْذهَا مِنْهُمْ وَإِنَّمَا الْفَائِدَة فِي مُوَاجَهَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخِطَابِ أَنَّهُ هُوَ الدَّاعِي إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالْمُبَيِّن عَنْهُ مَعْنَى مَا أَرَادَ فَقَدَّمَ اِسْمه فِي الْخِطَاب لِيَكُونَ سُلُوك الْأَمْر فِي شَرَائِع الدِّين عَلَى حَسَب مَا يَنْهَجهُ وَيُبَيِّنهُ لَهُمْ. وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} فَافْتَتَحَ الْخِطَاب بِالنُّبُوَّةِ بِاسْمِهِ خُصُوصًا ثُمَّ خَاطَبَهُ وَسَائِر أُمَّته بِالْحُكْمِ عُمُومًا وَرُبَّمَا كَانَ الْخِطَاب لَهُ مُوَاجَهَة وَالْمُرَاد غَيْره كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنْت فِي شَكّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَاب مِنْ قَبْلِك) إِلَى قَوْله: {فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ} وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَكّ قَطُّ فِي شَيْء مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ. فَأَمَّا التَّطْهِير وَالتَّزْكِيَة وَالدُّعَاء مِنْ الْإِمَام لِصَاحِبِ الصَّدَقَة فَإِنَّ الْفَاعِل فِيهَا قَدْ يَنَال ذَلِكَ كُلّه بِطَاعَةِ اللَّه وَطَاعَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَكُلّ ثَوَاب مَوْعُود عَلَى عَمَل فِي زَمَنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ بَاقٍ غَيْر مُنْقَطِع. اهـ

وإذا كان الخطاب خاصا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من جهة اللفظ والمعنى فلابد من قرينة تدل على ذلك، يخرج بها عموم المكلفين، كما في:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير