تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قوله تعالى: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)، فالهبة بلا مهر، من خصائصه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بقرينة: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ قَالُوا إِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى)، فالوصال في الصيام من خصائصه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقرينة: (إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى)، وهو أمر لا يخرجه عن بشريته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإن كان فوق طاقة آحاد البشر، فللأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، من الخصائص الجسدية ما ليس لغيرهم.

ولا يجوز الوصال في حق بقية الأمة إلا إلى وقت السحر، كما في حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، مرفوعا: (لاَ تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ يُرِيدُ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إِلَى السَّحَرِ)، وهذا لفظ الدارمي، رحمه الله، في سننه.

وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستفاد منه: الأحكام التكليفية الخمسة، بخلاف فعله، فالأصل فيه: الندب، إلا إن وقع بيانا لمجمل واجب، على تفصيل يأتي إن شاء الله، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحصل به بيان المجمل، إما:

بمفرده، كما في أحاديث أنصبة ومقادير الزكاة، فهي مبينة لمجمل قوله تعالى: (وَآَتُوا الزَّكَاةَ).

أو مع فعله عليه الصلاة والسلام، كما في أحاديث بيان صفة الصلاة والحج، فقد جمع فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين دلالتي: القول والفعل.

وأما أفعاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهي على ثلاثة أقسام:

الأول: الأفعال الجبلية، فالأصل فيها الإباحة، فلا يستفاد منها تشريع، ولا يثاب المقتدي به صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها إلا من جهة: الاقتداء، لا من جهة نفس الفعل، فهو مباح لا معنى للتعبد فيه، فلا يقصد لذاته، وإنما يقصد بنية الاقتداء، بخلاف الواجبات والمندوبات، فهي مقصودة لذاتها، ولذا اصطلح العلماء على تسمية الأفعال التي تقصد من جهة الاقتداء كلبس العمامة وأكل أطعمة بعينها كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحبها ........ إلخ بـ: "سنن العادات"، فليس سننا تعبدية مقصودة لذاتها، فهي قسيمتها، لا قسم منها، لأن الأفعال تنقسم إجمالا إلى: عبادات وعادات.

فهي تشبه المباحات من جهة: أن الثواب فيها لا يتعلق بذات الفعل، وإنما يتعلق بأمر خارج عنه، فنية الاقتداء، أو استعمال المباح للتوصل إلى مندوب أو واجب، هو سبب الثواب لا ذات الفعل على التفصيل السابق.

ويستثنى من ذلك بعض العادات التي دل الدليل الشرعي على كونها مقصودة لذاتها، كإطلاق اللحى، فقد كان العرب في الجاهلية يطلقون لحاهم، ويعتبرون ذلك من مظاهر الفحولة والهيبة، بل والرياسة في بعض الأحيان، فجاء الإسلام وأقر هذه العادة، بل وأوجبها بدلالة النصوص الصحيحة الصريحة في الأمر بإطلاقها، من قبيل: (أوفوا)، و: (أرخوا)، و: (وفروا)، و: (أَعْفُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ) كما في حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، مرفوعا، عند النسائي، رحمه الله، في سننه، وأحمد، رحمه الله، في مسنده في مسند عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما،، والأصل في الأمر الوجوب، ولا صارف له إلى ندب أو إباحة في هذه النصوص، والخلاف في هذه المسألة: ضعيف لاسيما أنه خلاف متأخر لم يقل به أصحاب المذاهب المتبوعة بل قال به بعض متأخري الشافعية رحمهم الله.

ثانيا: العبادات:

فالأصل في أفعاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الندب إذا كانت قُرُباً، إلا إن وقعت بيانا لمجمل واجب، فتكون واجبة، وهو قول مالك وكثير من الشافعية والحنابلة، ووجه ذلك: أن الندب: أدنى درجات الطلب، فهو القدر المتيقن، فيحمل الفعل عليه حتى يرد دليل صارف إلى وجوب أو إباحة، وهذا قول الصيرفي وأبي حامد المروزي، رحمهما الله، من الشافعية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير