تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويشكل على هذا الحديث: حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَ مَا تَطْلُعُ الشَّمْس)، فهو نص في صلاتهما بعد طلوع الشمس، وفي حديث قيس بن عمرو، رضي الله عنه، إقرار لمن صلاهما قبل طلوع الشمس، والجواب: أن دلالة القول مقدمة على دلالة الفعل، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فيقدم قوله صلى الله عليه وعلى آله سلم على إقراره من باب أولى، لأن الإقرار أدنى من الفعل، كما سبق، ويمكن الجمع بين الحديثين بأن يقال: صلاتها قبل طلوع الشمس لمن فاتته: جائزة، وصلاتها بعد طلوع الشمس لمن فاتته: مستحبة، والمستحب مقدم على المباح إجماعا، وإن كان كلاهما مشروعا.

ومن جهة حضوره صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

يقدم ما حضره بنفسه وأقره، كأكل الضب على مائدته، على ما حدث في غيبته فبلغه فأقره، ودون ذلك ما حدث في غيبته، فسكت عنه الوحي، كحديث جابر، رضي الله عنه: (كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ، زَادَ إِسْحَقُ قَالَ سُفْيَانُ: لَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ).

وإمامة عمرو بن سلِمة، رضي الله عنه، قومه، وهو صبي صغير، لأنه كان أكثرهم قرآنا، فلو كانت إمامة الصغير لا تصح لما سكت الوحي عن بيان ذلك، وهذا الحديث من أدلة الشافعية، رحمهم الله، في جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، لأن صلاة عمرو، رضي الله عنه، ولما يبلغ: نافلة، وصلاة قومه خلفه: فريضة.

وأما ما سكت عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أفعال المشركين قبل الهجرة: تأليفا لهم، أو دفعا للمفسدة الكبرى بمفسدة السكوت على بعض أفعالهم، أو جلبا لمصلحة راجحة، فلا يستفاد منه حل ذلك الفعل، لأنه، عليه الصلاة والسلام، ما سكت إقرارا وموافقة، وإنما سكت لاعتبار من الاعتبارات السابقة.

وأما اجتهاده صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد اختلف فيه العلماء على قولين:

القول الأول: عدم جوازه، لأنه عليه الصلاة والسلام مؤيد بالوحي فلا حاجة له إلى الاجتهاد.

والقول الثاني: أن له عليه الصلاة والسلام أن يجتهد، فإن سكت الوحي عن اجتهاده، فهو الصواب في المسألة، وإن جاء بخلاف اجتهاده، عدل عنه إلى خبر الوحي المعصوم، كما في واقعة: أسرى بدر، لما أخذ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باجتهاد الصديق، رضي الله عنه، فأخذ الفداء، ولم يأخذ باجتهاد عمر، رضي الله عنه، لما أشار بقتلهم، فنزل الوحي مصوبا لاجتهاد عمر، رضي الله عنه، كما في قوله تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

وقال بعض المعتزلة والمتكلمين: له الاجتهاد في الحروب فقط.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير