وقال بعض أهل العلم: بيانه تابع للمُبَيَن، فإن كان واجبا، فالبيان: واجب، وإن كان مندوبا فالبيان مندوب وإن كان مباحا فالبيان مباح .................... إلخ.
وقال آخرون: يحمل على الوجوب لأنه الأحوط، وهو قول بعض الشافعية.
وقال قوم: بالوقف حتى يرد الدليل المرجح، وإليه ذهب أكثر المتكلمين، ومتأخري الشافعية، وصححه الشيرازي، رحمه الله، فقال: وهو الصحيح، فلا يحمل على الوجوب، ولا على الندب، بل يحمل على ما دل عليه الدليل. اهـ
ثالثا: المعاملات:
من بيع ونكاح ............. إلخ، فيستفاد منها الإباحة، إلا ما دل الدليل على اختصاصه به صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كالزواج بأكثر من أربع، والزواج بلا مهر.
وكما قيل في أقواله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من جهة كونها مبينة، يقال في أفعاله:
فأفعاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقع بها البيان إما:
بمفردها: كما في بيان صفة الحج، فالعمدة فيه أفعاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، سواء أكانت: أركانا كـ: الوقوف بعرفة، أم واجبات: كالمبيت بمنى، أم مندوبات: كالرمل في السعي.
أو مع فعله كما في أحاديث بيان الصلاة، فقد بينها صلى الله عليه وعلى آله وسلم بفعله، كما في حديث سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه، وفيه: (ثمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهَا وَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي).
ومنه أيضا: قطع يد السارق، ورجم الزاني، وجلد الشارب، فاستيفاء الحدود في عهده صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيان لمجملها، وإن اشترك القول مع الفعل في ذلك، فنصاب السرقة، إنما دل عليه حديث عائشة، رضي الله عنها، مرفوعا: (تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا).
وأما إقراره صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
فهو أدنى منزلة من الفعل، لأنه بمنزلة: الفعل الضمني لا الصريح، فالراضي كالفاعل، وإن لم يباشر الفعل بنفسه، فلا يستفاد منه ابتداء إلا: الإباحة، كما في سكوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن أكل الضب على مائدته، فهو إقرار منه بحل ذلك، فلو كان محرما، لما وسعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم السكوت عن بيان حكمه، لأنه لا يجوز في حقه: تأخير البيان عن وقت الحاجة، والحاجة في مثل هذه الصورة قائمة لمباشرة الآكل: الأكل، فتنبيهه على حرمته، لو كان حراما، حتم لازم لا يحتمل التأجيل لئلا يقع في الحرام، تماما كمن رأى صائما يأكل ناسيا، فإنه يلزمه تنبيهه على الفور، مع كون النسيان عذرا في مثل هذه الصورة لعدم التعمد، فمع التعمد، كما في أكل الضب، يكوم البيان أولى وأولى، فدل سكوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مثل هذه الصورة على حل ذلك يقينا.
وإقراره صلى الله عليه وعلى آله وسلم مراتب، فمن جهة:
الرضا: يقدم ما أقره راضيا مسرورا، كما في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ الْمُدْلِجِيُّ لِزَيْدٍ وَأُسَامَةَ وَرَأَى أَقْدَامَهُمَا إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ.
على ما أقره بمجرد سكوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما في حديث الرجل الذي صلى ركعتي الفجر بعد صلاة الفجر قبل شروق الشمس، كما في حديث: قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو، رضي الله عنه، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ فَقَالَ الرَّجُلُ إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
¥