وفيهم نزل قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا}
وهل هناك أعظم من رضوان الله تعالى؟
لقد فازوا والله ونجحوا بفضلهم تسليمهم وإخلاصهم وحبهم لنبيهم ونالوا بذلك أعظم هديتين الرضوان والفتح ..
ويالها من هدايا تتوق الأنفس وتقاتل من أجلها وتبذل الغالي والنفيس في سبيلها.
وإلى موقف آخر عظيم في رحلتنا المباركة
أرسلت قريش سهيل بن عمرو، وكان رجلا فصيحًا عاقلاً يجيد التفاوض، فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم قال متفائلاً: (لقد سهل لكم أمركم).
وقال: (قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل)
وكانت قريش قد قالت لسهيل بن عمرو: ائت محمداً فصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً.
فلما جاء سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلما طويلاً ثم جري بينهما
الصلح، فاتفق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على:
- أن يرجع المسلمون هذا العام ويعودوا في العام القادم.
-وأن تتوقف الحرب بينهما لمدة عشر سنوات.
-وأن من أراد أن يتحالف مع المسلمين فله ذلك، ومن أراد التحالف مع قريش فله ذلك.
-وأن يرد الرسول صلى الله عليه وسلم من جاء إليه من قريش دون
إذن وليه، ولا ترد قريش من يأتيها من المسلمين.
ولقد غضب المسلمون من هذه الشروط وحزنوا من قبولها ومن بينهم عمر بن الخطاب عملاق الإسلام
فعندما سمع عمر بهذه الشروط أتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أليس برسول الله؟
قال: بلي.
قال: أو لسنا بالمسلمين؟
قال: بلى. قال: أو ليسوا بالمشركين؟
قال: بلي. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟
قال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله.
قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله. [متفق عليه].
ويحكي لنا عمر بن الخطاب بنفسه مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غاضباً عند كتابة ذلك الصلح، قال: فأتيت نبي الله، فقلت: ألست نبي الله حقاً؟
قال: بلى.
قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟
قال: بلى،
قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟
قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري.
قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟
قال: بلى. أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قال: قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به).
ومن ثم أتى عمر أبا بكر كما ذكرنا سابقاً
وقال عمر: ما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيراً) ولم تطب نفس عمر إلا عندما نزل القرآن مبشراً بالفتح.
ياله من تسليم تام، وما أعظمهم من رجال إنها مواقف لا تأتي إلا من رجال اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ..
كل موقف أعظم من سابقه، تتبين فيها مدى عظمة هذا الدين وشعائره في قلوب تلك الفئة العظيمة من الناس
فهاهو علي بن أبي طالب يأبى أن يمسح جملة رسول الله ..
فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقال له اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم.
فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم. فكتبها،
ثم قال: اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو.
فقال سهيل: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك.
فقال صلى الله عليه وسلم: اكتب. هذا ما صالح عليه محمدُ بن عبدالله، سهيلَ بن عمرو.
فرفض على أن يمحو كلمة رسول الله بعد ما كتبها، فمحاها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه. [متفق عليه].
وقبل أن يوقع الرسول صلى الله عليه وسلم على كتاب الصلح إذا بأبي جندل بن سهيل بن عمرو – وهو ابن سهيل هذا الذي جاء يفاوض - يأتي مسلمًا
فلما رآه أبوه سهيل؛ قام إليه فضرب وجهه، وأخذ بثيابه، ثم قال: يا محمد، قد لجت القضية (أي حسمت) بيني وبينك قبل أن يأتي هذا.
قال: صدقت.
فأخذ سهيل يجر ابنه ليرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين يفتنونني في ديني؟
فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا وأعطيناهم
على ذلك، وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم)
¥