تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وواقع المجتمع المكي، وطبيعة البيئة العربية، التي تهتم بحفظ الأنساب، حتى كانت معرفتها منقبة لصاحبها فاشتهر الصديق رضي الله عنه بمعرفة الأنساب وقيل لـ: دغفل بن حنظلة الشيباني: نسابة العرب، واقع مثل هذا المجتمع يجعل أفراده حريصين، كل الحرص، على تحرير أنسابهم، فغالبهم من ذوي الأصول العريقة، وإن تلطخوا بأوزار الشرك، فقست القلوب، وغاب الإخلاص، وصار الفخر باعث الهمم.

وفي المقابل: كانت طبقة أخرى مستضعفة، لا دور لها في الحياة إلا خدمة طبقة الأشراف، وهؤلاء: أتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهم أسرع الناس إجابة لداعي الحق، فلا دنيا تحول بينهم وبين الحق، بخلاف الأولين الذين ألفوا السيادة، فصار الجاه والسلطان حائلا بينهم وبين قبول الحق والانقياد لأمر الله، عز وجل، وإن علموا صدق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد كان فيهم غلاما حدثا، أرضاهم فيهم. وأصدقهم حديثا، فما كان لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ.

وبين الطبقتين: كانت طبقة من الشرفاء ذوي النسب، لا يملكون من حطام الدنيا ما ينظمهم في سلك الأثرياء المترفين، فلهم من الهيبة والمكانة ما يجعلهم سادة، وإن افتقدوا المال، أحد أبرز مقومات السيادة في المجتمعات الرأسمالية، ومن أبرز رجال هذه الطبقة: عبد المطلب وأبو طالب، وفي كنفهما نشأ محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتيما، فكان اليتم في حقه كمالا، وإن كان في حق غيره نقصا، فصنع على عين الله، عز وجل، وعرف معنى السيادة من عبد المطلب، وفي سيرة ابن هشام رحمه الله:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ جَدّهِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَكَانَ يُوضَعُ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ فِرَاشٌ فِي ظِلّ الْكَعْبَةِ، فَكَانَ بَنُوهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَ فِرَاشِهِ ذَلِكَ حَتّى يَخْرَجَ إلَيْهِ لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِيهِ إجْلَالًا لَهُ؟ قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْتِي وَهُوَ غُلَامٌ جَفْرٌ حَتّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ فَيَأْخُذَهُ أَعْمَامُهُ لِيُؤَخّرُوهُ عَنْهُ فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، إذَا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُمْ دَعُوا ابْنِي، فَوَاَللّهِ إنّ لَهُ لَشَأْنًا، ثُمّ يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْفِرَاشِ وَيَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ وَيَسُرّهُ مَا يَرَاهُ يَصْنَعُ.

وعرف معنى الفقر، فرعى الغنم على قراريط لأهل مكة، وعرف التجارة في شبابه فضارب لخديجة، رضي الله عنها، في مالها، والتجارة كالسفر: مظنة الإسفار عن الأخلاق، فعرف فن المعاملة والأخذ والعطاء، وعرف معنى الغنى لما تزوج خديجة، رضي الله عنها، فآسته بمالها إذ حرمه الناس

وفي صروف الدهر من: قوة وضعف، وغنى وفقر، ......... إلخ، للمرء عظة، فالرسول لا يكون إلا رجلا قد خبر الناس، فعرف كيف يخاطب الشريف والوضيع، والغني والفقير ........... إلخ، وكذا كان محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو: رجل عظيم، قبل مبعثه، لا يماري في ذلك إلا جاحد، قد اكتملت له خصال السيادة، ومع ذلك كان أبعد الناس عن طلبها، فأبى الله، عز وجل، إلا أن يجعله سيد ولد آدم، فنزل الوحي على نفس عظيمة فزادها عظمة إلى عظمتها، وشرفا إلى شرفها.

وهو صاحب همة لا تدانيها همة، فقد حمل على عاتقه عبء تبليغ آخر رسالات السماء، فبلغها كما أُمِر، وما ترك من خير إلا أرشد إليه، وما ترك من شر إلا حذر منه.

وحوله كان رجال من أمثال:

أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد والزبير وطلحة وابن عوف وأبي عبيدة ......... ، رضي الله عنهم، جمعوا من الفضائل ما جمعوا، فهممهم: همم الملوك، فأبو بكر، سيد بني تيم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير