تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً" (29). وعلى صحة هذا الحديث فإن من لم يصم التاسع فإنه يصوم الحادي عشر؛ لتتحقق له مخالفة اليهود في عدم إفراد عاشوراء بالصوم.

أما رواية: "صوموا يوماً قبله، ويوماً بعده" فهي ضعيفة (30).

وعن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال: كان يوم عاشوراء يوماً تعظمه اليهود، وتتخذه عيداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فصوموه أنتم" (31).

قال ابن رجب: "وهذا يدل على النهي عن اتخاذه عيداً، وعلى استحباب صيام أعياد المشركين؛ فإن الصوم ينافي اتخاذه عيداً، فيوافقون في صيامه مع صيام يوم آخر معه ... فإن في ذلك مخالفة لهم في كيفية صيامه أيضاً، فلا يبقى فيه موافقة لهم في شيء بالكلية" (32).

ثالثاً: كيفية مخالفة اليهود في صوم يوم عاشوراء:

يظهر مما تقدم من الأحاديث ـ والله أعلم ـ أن الأكمل هو صوم التاسع والعاشر؛ لأنه هو الذي عزم على فعله النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن صحح حديث: "وصوموا قبله يومًا، أو بعده يومًا" فإنه قال بمشروعية صيام الحادي عشر لمن لم يصم التاسع، لتحصل له مخالفة اليهود التي قصد إليها النبي صلى الله عليه وسلم؛ خاصة أن من أهل العلم من يرى كراهية إفراد العاشر بالصوم؛ لما فيه من موافقة اليهود ومخالفة الأمر بمخالفتهم، وأيضًا خشية فوات العاشر (33).

ومن أهل العلم من قال بأفضلية صوم الثلاثة أيام: التاسع والحادي عشر مع العاشر، وحجتهم الرواية المتقدمة: "صوموا يومًا قبله، ويومًا بعده"، وأيضًا: الاحتياط لإدراك العاشر، ولأنه أبلغ في مخالفة اليهود (34).

رابعاً: أعمال الناس في عاشوراء في ميزان الشرع:

الناظر في حال الناس اليوم يرى أنهم يخصصون عاشوراء بأمور عديدة. ومن خلال سؤال عدد من الناس من بلدان عدة تبين أن من الأعمال المنتشرة التي يحرص عليها الناس في عاشوراء: الصيام ـ وقد عرفنا مشروعيته ـ.

ومنها: إحياء ليلة عاشوراء، والحرص على التكلف في الطعام، والذبح عموماً لأجل اللحم، وإظهار البهجة والسرور، ومنها: ما يقع في بلدان كثيرة من المآتم المشتملة على طقوس معينة مما يفعله الروافض وغيرهم.

وحتى نعرف مدى شرعية تلك الأعمال فتكون مقربة إلى الله، أو عدم مشروعيتها لتصير بدعاً ومحدثات تُبعِد العبد عن الله؛ فإنه لا بد أن نعلم جيداً أن للعمل المقبول عند الله ـ تعالى ـ شروطاً منها: أن يكون العامل متابعاً ـ في عمله ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم (35).

وإذا نظرنا في أفعال الناس في عاشوراء ـ سواء ما كان منها في الحاضر أو الماضي أو الماضي القريب (36) ـ رأينا أنها على صور عدة:

أ - ما كان منها في باب العبادات؛ حيث خصوا هذا اليوم ببعض العبادات كقيام ليلة عاشوراء، وزيارة القبور فيه، والصدقة، وتقديم الزكاة أو تأخيرها عن وقتها لتقع في يوم عاشوراء، وقراءة سورة فيها ذكر موسى فجر يوم عاشوراء ... فهذه ونحوها وقعت المخالفة فيها في سبب العمل وهو تخصيصه بوقت لم يخصه الشارع بهذه الأعمال، ولو أراده لحثَّ عليه، كما حث على الصيام فيه، فيُمنع من فعلها بهذا التقييد الزمني، وإن كانت مشروعة في أصلها.

ولأن باب البدع لا يقف عند حدّ فإن البدع في العبادات قد تنال كيفية العبادة، كما اختلقوا حديثاً موضوعاً مكذوباً في صلاة أربع ركعات ليلة عاشوراء ويومها، يقرأ فيها ((قل هو الله أحد)) [الإخلاص: 1] إحدى وخمسين مرة (37)، وخرافة رقية عاشوراء، ونعي الحسين ـ رضي الله عنه ـ على المنابر يوم الجمعة (38)، وكالمنكرات المصاحبة لزيارة القبور.

ب - ما كان من باب العادات التي تمارس في عاشوراء تشبيهاً له بالعيد، ومن ذلك:

الاغتسال، والاكتحال، واستعمال البخور، والتوسع في المآكل والمشارب، وطحن الحبوب، وطبخ الطعام المخصوص، والذبح لأجل اللحم، وإظهار البهجة والسرور. ومنها عادات لا تخلو من منكرات قبيحة.

وهذه في أصلها نشأت وظهرت رد فعل لمآتم الرافضة التي يقيمونها حزناً على مقتل الحسين ـ رضي الله عنه ـ فكان من الناصبة (39) أن أظهروا الشماتة والفرح، وابتدعوا فيه أشياء ليست من الدين، فوقعوا في التشبه باليهود الذين يتخذونه عيداً ـ كما تقدم ـ (40).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير