تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

آمن الناس ايمانا عميقا غرسته فيهم الحكومات العربية بأن ادانة الغرب لنا وتنديده بنا حق .. مادامت اشادته بنا حقا .. ومادمنا نصدق المدح الغربي فإن من البديهي أن نصدق القدح الغربي .. وعندما يشيد أي مساعد نائب في البرلمان الاوروبي أو الأمريكي بأي مسئول عربي فإننا نطبل ونزمر ونزغرد ونذكر ذلك متباهين مفتخرين منفوخين بالعناوين العريضة في الصحف .. فكيف نقنع الشعوب بأن تنديد الغرب بنا وهجومه علينا كذب ويعود الي جهل واستعلاء ونوايا خبيثة؟ لايمكن ان يقتنع الناس بذلك ولو بالطبل البلدي .. فقد اقنعتهم الحكومات بأن القول الغربي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

...

الغرب كامل الاوصاف هذا ما اقنعتنا به الحكومات العربية فإذا اتتنا المذمة من الغرب فهي صادقة لان الغرب ليس ناقصا .. وعلي فكرة ياصديقي العزيز محمد ابوالعلا من طنطا .. البيت الذي يقول:

واذا أتتك مذمتي من ناقص .. فهي الشهادة لي بأني كامل .. لابي الطيب احمد بن الحسين المتنبي وليس لأبي العلاء المعري كما تفضلت .. وهو بيت من قصيدة مطلعها:

لك يامنازل في القلوب منازل .. اقفرت أنت وهن منك أواهل

وربما جاء اللبس من أن أبا العلاء كان محبا للمتنبي وقد ذمه احد الولاة في حضور أبي العلاء فقام اليه المعري قائلا: لو لم يكن للمتنبي غير قوله: لك يامنازل في القلوب منازل لكفاه .. ففهم الوالي الرسالة وأن المعري يريد ان يقول بيت المتنبي: واذا اتتك مذمتي من ناقص .. فقال الوالي: أخرجوا هذا الأعمي من عندي.

ماعلينا .. نعود للغرب الذي جعلته حكوماتنا العربية كامل الاوصاف ولن تستطيع اخراجه من عقولنا وقلوبنا ولوحرصت .. لذلك فإن هذه الحكومات تحرث البحر عندما تحاول استعداء شعوبها علي الغرب اذا ادان وندد.

.. فالحكومات تحالفت مع الغرب ضد شعوبها ولن نصدقها اذا ارادت التحالف مع الشعوب ضد الغرب.

الحكومات العربية كانت دائما تواجهنا عندما نئن ونصرخ من البلاء والغلاء والفساد والاحتكار بأن الغرب يشيد بنا وتقول لنا: هل نصدق بكاءكم وصراخكم ونكذب تقارير الغرب وشهاداته لنا؟ وعندما يشهد الغرب لاداء الحكومات العربية السياسي والاقتصادي .. يصبح انين الشعوب خيانة عظمي .. ويكون المتوجعون ماجورين ومتآمرين ومنفذين لاجندات مشبوهة .. الحكومات العربية لايزعجها تأوه وصراخ الشعوب غير الناضجة مادام الغرب راضيا ومبسوطا "ومستأنس" علي رأي اخواننا في الخليج.

لذلك كله تشمت الشعوب العربية في حكوماتها عندما ينقلب عليها الحبيب الغربي "ويقلب لها علي الوش التاني" ويندد بأدائها ويدين سجلها الحقوقي ونهجها في ادارة شئون دولها وغياب الديمقراطية وحرية الرأي لديها .. تشمت الشعوب العربية في حكوماتها عندما "يشرشحها" الغرب .. لان هذه الحكومات باعت شعوبها بلا ثمن للغرب .. لان هذه الحكومات جمعتها صافرة بوش في أنابوليس كالغنم .. لان هذه الحكومات رحبت باحتلال العراق واغتصاب نسائه وسمت الهوان تحريرا وسمت المقاومة ارهابا .. وسمت المذابح الاسرائيلية ممارسات خاطئة واستخداما مفرطا للقوة .. وسمت الشرعية الامريكية والاسرائيلية شرعية دولية .. لأن هذه الحكومات حكمت وأدارت الأمة العربية بالوكالة عن أمريكا وإسرائيل وجعلت الدول العربية فروعا لشركة كبري مقرها الرئيسي في واشنطون وتل ابيب .. لان هذه الحكومات باعت الدماء والكرامة بالمعونات والتنازل والتفريط والقواعد العسكرية الامريكية والبريطانية والفرنسية علي الارض العربية .. ولان هذه الحكومات اسقطت شعوبها من حسابها وصارت تتصرف في الامة كما تتصرف في عزبة "اللي خلفوها" لذلك تشمت فيها الشعوب عندما يحرجها الغرب ويوبخها ويلومها وينذرها ويهددها .. والله العظيم .. ان الشعوب العربية تشمت في حكوماتها عندما تتلقي الصفعات من الغرب الذي ينسي انبطاحها له ولايقدر هوانها وانكسارها من أجله .. ويصفعها علي خدها الايمن فتدير له الايسر فيصفعه ايضا ولايبالي .. والشعوب تضحك في "كمها" .. تضحك في "عبها" .. وتبدي تعاطفا ظاهرا منافقا مع الحكومات .. لكنها في السر تقول "أحسن تستاهل".

...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير