تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في مستويين اثنين: المستوى القطري والمستوى القومي، ففي المستوى القطري، مازالت البلاد العربية بحاجة إلى سياسة تعليمية ناجحة، ترتكز على أمرين: منهاج مبسّط ومتطور لمادة اللغة العربية، وكادر مؤهل من المعلمين والمدرّسين، يتولى تعليم الأجيال الناشئة، ويعدّها لإتقانها، وفي افتقار البلاد العربية إليهما، نشأت أغلب هذه الأجيال ضعيفة بلغتها الأم، لا تحيط بها، كما يجب، وأخذت اللهجات العامية المترعة بالألفاظ الدخيلة، والتسميات والمصطلحات الأجنبية، تطوّق هذه الأجيال في المدارس والمعاهد والجامعات، حيث تراها ماثلة أمامها في كل مكان: في الدعاوات والإعلانات واللائحات على الجدران وفي الشوارع، وعلى واجهة المحلات المختلفة، ومكاتب المحامين وغيرهم وعيادات الأطباء والمشافي والصيدليات، كما تشاهدها في الأفلام والمسرحيات، وفي برامج التلفاز المختلفة، وتسمعها في أجهزة الإعلام المسموعة، يستعمل الناس الألفاظ والمصطلحات الأجنبية، ويلفظون المخترعات والمبتكرات الغربية الوافدة إلينا بأسمائها الأجنبية دون أَن يعلموا أَن كثيراً منها عرّبته مجامعنا اللغوية، أو أوجدت ما يقابله في اللغة العربية.

وقد ألف الناس هذه الألفاظ الغربية الوافدة لكثرة استعمالهم لها حتى إذا علمت فئة قليلة منهم تعريبها أو ما يقابلها في اللغة العربية آثرت ألسنتهم المفردة الأجنبية على المفردة المعرّبة أو العربية. وآية ذلك أَنَّ الألفاظ الدخيلة تحظى بترويج إعلامي، وتداول شعبي لها أكثر مما تحظى به الألفاظ العربية أو المعرّبة التي ينجزها المجمع اللغوي والعلمي. يحدث هذا كله، ومؤسسات الدولة، وتنظيماتها المختلفة، لا تعلم عن مجمعها شيئاً، ولا تدري ماذا حقَّق من إنجازات، هذا إذا افترضنا أنها سمعت بوجوده.

إِنَّ دور المجمع محدّد واضح هو النهوض باللغة العربية وتجديدها بما يمكّنها من مواكبة العصر والتصدي للغزو اللغوي الغربي من خلال مؤلفاته وإنجازاته اللغوية أمّا الترويج لإنجازات المجمع وتداول ألفاظه فليست مسؤوليته، وإنما هي مسؤولية الدول بمؤسساتها المختلفة لاسيما التربوية والإعلامية والثقافية، ويؤخذ على الدولة تقصيرها الشديد في هذا المجال، ويبدو أنها في واد ومجمعها في واد آخر.

أَمّا على المستوى القومي، فالخلافات السياسية بين الدول العربية، غيّبت الإرادة السياسية في تكوين رؤية قومية واحدة، تشدّ أَزر اللغة العربية في مواجهة التحديات، ضمن خطة محكمة، تتبناها جامعة الدول العربية، وتلتزم بها دولها، رغم إدراك هذه الدول أَنّ اللغة العربية أَقوى رابط قومي يجتمع عليه العرب، فالخلافات السياسية دفعت المجامع أَن تفترق عن بعضها، وينعدم التنسيق فيما بينها لمواجهة التحديات القائمة، فما زالت بعض الدول العربية لم تتخلص إلى اليوم من هيمنة اللغة الأجنبية على مؤسساتها العلمية والتربوية رغم ما تبذله من جهود في مجال التعريب، فدول تدرّس اليوم الطب والعلوم الأخرى باللغة الأجنبية، ودول أخرى تدرّسها باللغة العربية، دولة تتداول مصطلحاً لمدلول ما، تتداوله دولة ثانية بمصطلح آخر، مجمع يقر استعمال مفردة دخيلة، وثانٍ يعرّبها، وثالث يوجد لها ما يقابلها في العربية، مجمع تفوته طائفة من الألفاظ الدخيلة دون أن يتداركها، وآخر يتدارك بعضها، وثالث يتدارك بعضها الآخر…وهكذا. لا شك أَنَّ لغتنا ليست منعزلة عن لغات العالم، فهي جزء منها، وهي تتفاعل معها، وتتأثر بها، ونتمنى أَن تؤثر فيها، وهي تعيش في عالم أخذت أقطاره اليوم تتقارب نحو بعضها، لكن ثمة فرق بين لغة تتأثر بلغة، ولغة تتعرض لغزو لغة بل لغات، تهدف إلى القضاء عليها، وقد أصبح تنامي تسرب الألفاظ الدخيلة في نسيج لغتنا العربية يشكل خطراً على مستقبلها، وليس كما يتوهم بعض الناس أَنّه جزء من تطوّر طبيعي لها، سوف يأخذ مداه، تفرضه سِنّة التطور. إِنَّ التطوّر اللغوي الطبيعي له مقاييس وضوابط، لا يخرج عنهما، وإلاَّ أصبح فوضى وانفلاتاً.

نجاح اللغة العربية في مواجهة التحديات:

تستطيع اللغة العربية أَن تواجه التحديات بكفاءة إذا توفرّت لها عوامل النجاح، وأَحسب أهمها، يتمثل فيما يلي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير