تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أ- لا يكاد يوجد بين أعضاء هيئة التدريس بالجامعات العربية (بما في ذلك من يدرس اللغة العربية نفسها) من يقوم بالتدريس بالفصحى. فوسيلة التدريس الشائعة في قاعات التدريس بالجامعات العربية هي العاميات العربية المتنوعة من المشرق والمغرب العربيين. فجامعات الجزائر ومجتمعات الخليج كانت ولا تزال هي أكثر الجامعات العربية عرضة لموجة اللهجات العربية الكاسحة لقاعات التدريس وذلك بسبب حاجة هذه الجامعات لاستجلاب هيئات التدريس من مجتمعات عربية مختلفة كمصر والسودان والأردن والعراق وسوريا وتونس والمغرب.

فاستعمال العاميات في التدريس أصبح سمة لغوية من سمات هذه الجامعات. وفي جو تعدد وطغيان اللهجات العامية العربية هذه في قلب المؤسسة الجامعية العربية هل يبقى من معنى للقائلين بأن للجامعة دورا مهما في تعريب و"تفصيح" لغة المجتمع العربي المعاصر؟ أليس أكثر دقة وواقعية القول أن الجامعات العربية تساهم هي الأخرى في تعزيز مركز العاميات على حساب الفصحى بهذه المجتمعات العربية؟

ب ـ إن الأمية الجديدة عند أعضاء هيئات التدريس العربية بالجامعات العربية تنتشر ملامحها أيضا خارج قاعات التدريس. فمن النادر مثلا أن يتحدث عضو هيئة التدريس سواء كان في ندوة علمية، أو في اجتماع قسم أو في مجلس مناقشة رسالة أو أطروحة طلابية ويتقيد في حديثه باللسان العربي الفصيح. وهو إذا لجأ إلى قراءة كلمته أو محاضرته بالفصحى المكتوبة غير المشكولة فيندر أن لا يلحن حتى إذا لاذ إلى حيلة الوقوف على السكون تكرارا ومرارا ليسلم لسانه ظاهريا. فالأمر هنا بيّن أن ظاهرة الأمية الجديدة بالتعريف الوارد هنا شائعة فعلا بين أعضاء هيئات التدريس بالجامعات العربية. لكن قد يعتقد البعض أن اللجوء إلى اللهجات العامية من طرف هؤلاء في قاعات التدريس لا يمكن أن يكون في حد ذاته دليلا قاطعا على جهل المدرسين والأساتذة بالفصحى. فقد يحجم عضو هيئة التدريس على استعمال الفصحى رغم إلمامه بها نظرا لأن المعايير اللغوية الاجتماعية لا تسمح له بذلك. فهو قد يوصم بالانحراف إن استعمل الفصحى وذلك حتى داخل قاعات التدريس الجامعية. ومع ذلك يبقى في أيدينا وسائل أخرى يمكن بواسطتها اختبار مقدرة الشخص في معرفته للفصحى. فمقدرة الكتابة والقراءة للنصوص غير المشكولة هي أدوات تساعد فعلا على التحقق من مدى قدرة عضو هيئة التدريس على استعمال الفصحى كلغة تدريس. إن السلوك اللغوي القرائي والكتابي ذو علاقة ارتباط قوية مع السلوك اللغوي الكلامي، وهذه خاصية مميزة للغة العربية الفصحى. فمن يقرأ مثلا النص العربي غير المشكول بطريقة سليمة يكون قادرا أساسا على التحدث بالعربية الفصحى بصورة صحيحة نحوا وصرفا، فكثرة اللحن في القراءة عند أعضاء هيئة التدريس هو مؤشر كاف على ضعفهم (الأمية الجديدة) في الفصحى ومنه فتحاشي التدريس بها لا يقتصر على مجرد الخوف من وصمهم بالانحراف اللغوي الاجتماعي فحسب وإنما يرجع ذلك أيضا إلى عدم الإلمام السليم بقواعد النحو والصرف للغة العربية الفصحى.

ملامح الأمية الجديدة عند الطلبة العرب

ولاختيار مدى إلمام الطلبة والطالبات باللغة العربية الفصحى لجأنا ـ في مناسبات عديدة خاصة أثناء نقاش أفكار المطالعات الأسبوعية مع الطلبة ـ إلى دعوتهم بطريقة عشوائية قراءة فقرة أو صفحة غير مشكولة من كتب أو مقتطفات المادة التي ندرسها لهم، علما أن عملية القراءة هي أسهل من عملية التحدث باللغة نفسها، لأن عملية التحدث تتطلب مجهودا أكبر يشبه الفرق من حيث الصعوبة بين عملية فهم اللغة بالاستماع إليها وعملية التحدث بها. وكانت تجربتنا هذه رغم بساطتها قد أكدت لنا بطريقة متكررة أن الطلبة لا يستطيعون فعلا قراءة نص عربي فصيح (غير مشكول) بدون الأخطاء المتكررة نحوا وصرفا وحتى في نطق أواسط الكلمات. وعندما نقترح على الطلبة التحدث بالفصحى أثناء المناقشة والتدريس للمواد المدرسية يقابل اقتراحنا غالبا بالتهكم والامتعاض من الجميع. وبدا لنا أن سلوكهم كان يمكن أن يكون أفضل (أي أقل سخرية) لو أننا طلبنا منهم التحدث بالإنكليزية أو الفرنسية في صورة معرفتهم لكلتي أو إحدى هاتين اللغتين. ويغلب على الطلاب والطالبات قراءة النصوص العربية الفصيحة بنطق يشبه كثيرا نطق نفس الكلمات والجمل بالعاميات العربية. وهذا أمر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير