تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

منتظر من وجهة نظر تحليل علم الاجتماع للظاهرة اللغوية. فاستعمال العاميات العربية كواقع لغوي سائد في الجامعات العربية لا بد أن يؤثر في إضعاف قدرة الطالب على القراءة السليمة نطقا ونحوا للنص العربي الفصيح.

وفيما يخص ضعف الطلبة العرب في الإلمام بالفصحى كتابة وقراءة وحديثا، فالأمر يبدو أنه متفق عليه من لدن كل من كان له احتكاك بهم وكان له معرفة بالفصحى تسمح له بقياس مقدرة الطالب والطالبة في لغة الضاد. نتوقف عند وضع اللغة العربية عند الطلبة السعوديين كمثال لمستوى الطالب الجامعي العربي. فقد كان طرح مجلة اليمامة السعودية لقضية تدهور مستوى الفصحى وما برهانا دامغا لكل من لازالت عالقة في قلبه ذرة واحدة من الشك بخصوص هذا الموضوع.

فالدكتور محمود كامل الناقة الذي قام بأبحاث لغوية في جامعة أم القرى بمكة المكرمة قد أدلى لمجلة اليمامة بملاحظات كاشفة حول جهل الطلبة بلغة الضاد. يرى أن علاقات ضعف الطالب في الفصحى تتمثل في الآتي: "الضعف الواضح في مهارة الكلام والحديث أو ما نسميه مصطلحا التعبير الشفوي ... بل يصل الأمر في كثير من الأحيان إلى إحجامه عن الحديث لعدم قدرته على ذلك. والضعف في مهارة القراءة. فالشكوى صارخة في عدم قدرة طلابنا حتى في التعليم الجامعي على قراءة فقرة قراءة صحيحة وفهمها فهما واعيا ... أضف إلى ذلك الضعف في القراءة الجهرية حيث نجد اللعثمة والتردد والحشرجة والنبرة النائمة والصراخ المزعج ... وبعد أن كان الكتاب خير رفيق وجليس وأنيس أصبح في حياة طلبتنا شيئا مكروها غير مرغوب، هل هناك ضعف أكثر من ذلك في اللغة العربية؟ "

فهل يمكن تعميم تدهور مستوى الفصحى هذا على بقية الجامعات العربية؟ الإجابة على مثل هذا التساؤل لا يمكن حسمها بسهولة. لكن رغم عدم وجود دراسات رسمية معروفة حول وضعية الفصحى بكل الجامعات العربية عند الطلبة والأساتذة فإن ملاحظاتنا الشخصية وملاحظات الآخرين للتكوين اللغوي الفصيح للطالب العربي بصفة عامة تسمح بالقول بأن مستوى الطالب العربي في الفصحى مستوى لا يتجاوز المقبول في أحسن الأحوال. وهاتان الصورتان للأمية الجديدة على المستوى الجامعي عند كل من الأستاذ والطالب في الجامعات العربية اليوم تطرحان تساؤلات أوسع وأشمل على الأنشطة التربوية التعليمية في الوطن العربي: كيف هو حال تعليم الفصحى واستعمالها في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في هذه الأنظمة؟: (1) هل أن الفصحى تدرس بالعامية كقواعد يتم حفظها دون استعمالها نحوا وصرفا وتعبيرا وحديثا من طرف التلاميذ ومعلميهم وأساتذتهم حتى في قاعات المدارس؟ (2) أم هل أنها تدرس فعلا بكل جدية وبكل التزام من طرف هيئات تدريس يتقنون هم أنفسهم هذه اللغة ويحبون استعمالها على الأقل في قاعات التدريس ودروب المدارس؟.

إن حالة الفصحى المتردية على المستوى الجامعي، كما رأينا، لا يمكن تفسيرها بما جاء في السؤال الثاني. إذ لو كان الأمر كذلك لاستطاع تلامذة وطلبة الإعدادي والثانوي والعالي أن يقرؤوا قراءة صحيحة وأن يكتبوا كتابة سليمة وأن يتحدثوا بالفصحى حديثا مقبول المستوى تعبيرا وقواعد. ومن هنا فأزمة الفصحى كما وصفت هنا لابد أن تكون لها علاقة قوية مع ما جاء في التساؤل الأول أعلاه (1). ومهما اختلفت أسباب تدهور مستوى الفصحى بالجامعات العربية فإن هذا الواقع اللغوي مؤشر ذو دلالة بالغة على أن الأمن اللغوي للمجتمعات العربية مهدد فعلا، فإذا كانت حالة الفصحى قد بلغت تلك الدرجة من التدني في المؤسسات الجامعية فما بال حالها بين سواد المتعلمين الأقل تعليما وثقافة؟.

إن مصير اللغات المكتوبة والمقروءة فقط مصير معروف جدا. فمصير اللغة اللاتينية لا بد أن يعتبر به أولو الألباب. فاللغة كائن حي لا يمكن أن تكون له حياة طبيعية فاعلة ومتفاعلة دون أن يستعملها مجتمعها بعفوية في صلب كل القطاعات الاجتماعية: حديثا وكتابة وقراءة. فإذا كانت ممارسة الحديث والكلام بأي لغة هي عصب حياتها، فإنه يتضح مدى ما تخسره اللغة العربية الفصحى من نبض الحياة الاجتماعية عندما تزيد العاميات العربية في سلبها لها هذا الدور الحيوي الذي أصبح يسمح لهم بالكتابة فعلا باللسان العربي الفصيح.

غربة الفصحى لا تكاد تطرح

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير