تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكذا الحال في الناحية العلمية التي تفوق فيها المسلمون، سواء في: الإلهيات أو الطبيعيات، باعتراف من أنصف من خصومهم، ومدنية أوروبا المعاصرة تدين لأبحاث العلماء المسلمين الأوائل بالفضل، شاءت أم أبت، والأندلس المفقود شاهد عدل لا يستطيع أحد جرحه، فمنه اقتبست أوروبا شعبة من النور، وكانت مدنية أوروبا في العصور الوسطى تتناسب طرديا مع القرب من بلاد المسلمين، فالبلاد التي تتاخم حدودها حدود المسلمين، كالإمبراطورية الرومانية الأرثوذكسية الشرقية في المشرق وفرنسا في المغرب، أرقى وأكمل أحوالا من البلاد التي لا اتصال مباشر بينها وبين المسلمين كالمغول في المشرق وشمال أوروبا الهمجي الذي كان يضم قطعانا من "الفايكنج" لا يختلف حالهم عن حال البهائم كثيرا، وهم الذين يخوض أحفادهم اليوم في عرض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليس ذلك بغريب على أصولهم الهمجية.

وفي الوقت الذي كانت كروية الأرض معلومة متداولة في أوساط المسلمين العلمية، بل والعامة، مصداق قوله تعالى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)، كانت الكنيسة ترمي من يقول بذلك، ولو أيد قوله بالدليل العلمي، بالزندقة والإلحاد، فلا بد أن تكون الأرض مسطحة، وإلا لزم صلب المسيح صلى الله عليه وسلم مرة أخرى على الجانب الآخر من الكرة الأرضية ليحصل الخلاص لأهله كما حصل لأهل الجانب الأول!!!!!!.

ولا يمكن في نفس الوقت إغفال شيوع التقليد والجمود في الأوساط الفكرية الإسلامية لاسيما في العصور المتأخرة، وهو ما سهل تسلل الأفكار العلمانية إلى المجتمعات الإسلامية، بحجة أن سبب التخلف هو: "الرجعية" المتزمتة التي جمدت على أقوال الأولين وأغلقت باب الاجتهاد، وكأن هذه المظاهر السلبية هي جوهر الدين الحنيف، ولكن هكذا روج المغرضون الذين قرنوا الإسلام بالتخلف، والعلمانية الغربية والأفكار الشيوعية الشرقية بالتحرر!!!!.

فكانت الظروف في المجتمع الأوربي في عصوره الوسطى: ظلم الكنيسة واسترقاقها للعقول، وظلم الأباطرة والإقطاعيين واسترقاقهم للأبدان، تربة خصبة لنمو الفكر العلماني المنحرف، فقوبل الغلو بالغلو، وردت البدعة بالبدعة، فمن تطرف باسم الدين إلى تطرف باسم العلم، وكأن العلم خصيم الدين، والواقع أن العلم التجريبي كان خصيم الدين الكنسي المنحرف، فنجحت العلمانية في دك معاقل الكنيسة، لا لأنها على حق، ولكن لأنها كشفت عوار الكنيسة، وحركت الجموع الثائرة على ظلم الدولة والكنيسة، ولأول مرة تحولت العلمانية من أفكار نظرية، إلى واقع عملي، فقامت الثورة الفرنسية، التي مولها اليهود، لتضع المسمار الأخير في نعش أوروبا النصرانية، وخدعت الجماهير بمصطلحات: الحرية، (وحقيقتها التحلل من الدين والأخلاق)، والإخاء، (وحقيقته المساواة بين الحق والباطل تحت شعار: وحدة الأديان، وتعدد الحق!!!)، والمساواة، (وحقيقتها التسوية بين البشر وإن فرق بينهم الوحي: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ")، وهو ما كان يرمي إليه اليهود الذين عانوا من اضطهاد واحتقار النصارى لهم، فصيرتهم الثورة الفرنسية: إخوة في الإنسانية، الدين الجديد الذي بشرت به العلمانية، والذي تبشر به اليوم مؤسساتها الدولية والأهلية، كـ: "اليونسكو" الذي يكرم ابن عربي وجلال الدين الرومي باعتبارهما من أنبياء الإنسانية!!!، وأندية العمل الاجتماعي كـ: "الروتاري" و "الليونز" اللذين يستقطبان سفهاء المسلمين لاسيما العجائز اللاتي يبحثن عما يملأ فراغهن، فضلا عن نموذج: "الإسلام الأمريكي" الذي يروج له بعض المخرفين على شاشات الفضائيات: إسلام الصلوات الثلاثة، وعدم إفطار المدخن في نهار رمضان، وعدم فرضية الحجاب، والجهاد في سبيل الإنسانية!!!!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير