يمشي الفقير وكل شيء ضده ... والناس تغلق دونه أبوابها
وتراه مبغوضا وليس بمذنب ... ويرى العداوة لايرى أسبابها
ويتعمق في ترسيخ هذا المفهوم حيث يقول:
حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة ... خضعت إليه وحركت أذنابها
وإذا رأت يوما فقيرا عابرا ... نبحت إليه وكشرت أنيابها
والشاعر هنا لم يذكر الغني أو صاحب المكانة العالية تصريحا، ولكنه أشار إليها بصورة مؤدبة تتناغم مع فقره وقلة حيلته!
والواقع أن المكانة الإجتماعية أو الوظيفية يزينها صاحب الأخلاق إن أمسك بزمامها،وفي المقابل يفسدها صاحب الأخلاق السيئة إن جثم عليها، إذ أنها كالثوب على لابسه،وطهارة الثوب لاتعني بالضرورة طهارة الجسد كما لايخفى!
نعود فنقول:
النفس أمارة بالسوء، ومن أطلق لهذه النفس العنان، سيفقد السيطرة عليها مستقبلا، وسيكون فاشلا في نفسه وأهله ومجتمعه، وسيصبح إنسانا لايستحق الحياة، ولكن هذه النفس تسكن وتخضع عندما تردع وتلجم! ومن استطاع أن يردع هذه النفس فهو مستحق للقب شجاع! ومن استطاع امتلاك نفسه، فهو كالسائق المثالي الذي يتحكم بمقود المركبة يديرها كيفما شاء، ومما يؤثر عن عمر رضي الله عنه قوله: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب، أو كما قال0
أقول هذا الكلام، لأنني أتحسر من أخلاق أغلب الناس اليوم، وأعتقد أن السبب هو أن كل واحد من هذا الصنف لايرى أنه محسوب من المجتمع الذي يعيش فيه، بمعنى أنه يرى أن له الحق في كل ما يريد، وأن الأخلاق وحسنها مطلوب من أناس آخرين ليس هو منهم، قد يضحك أحدكم من هذه الكلمة، ولكنها حقيقة لمستها من بعض هولاء، ولكنني سأضحك معكم، لأن هذا التفكير بالفعل مضحك!
والله أني أستحي أن أذكر مثل هذه الحوادث التي عايشتها، لأنها مخجلة بالفعل،وأني أترفع وأرى بكم الرفعة من أن تسمعوها في هذا المنتدى المحترم0
ما أجمل أن يكون الإنسان شعلة تحمل في نورها جملة من الآداب والأخلاق الرفيعة بالقول والعمل،حينها سيشعر الإنسان بقيمة في ذاته تفوق قيم الذهب والفضة والأموال، أما الإنسان الفاقد لهذه الفضائل، فإنه لايشعر بشيء يحمل قيمة في نفسه، ومن هانت عليه نفسه إلى هذا الحد فلا نتوقع من وراءه خير، لأن كل شيء عنده هيّن!
الصلاة وقراءة القرآن والتفكر في معانيه، ومداومة النظر في كتب الحديث وشروحها وكتب الأدب والرقائق، كلها أمور تعين على تهذيب النفس، فهذه النفس كالقرين معك، تستطيع أن تخجلها وتلزمها أن تعرف قيمتها، فإذا عَرَفَت قيمتها، ستعرف حتما قيمة الآخرين 0
يقول أحدهم: أن شابا كان في الطائرة وألتفت وإذا برجل جالس في المقعد بجانبه، فأراد اغتنام هذه الفرصة للحديث معه،فأخذ بالحديث معه عن مسائل في الفقه وغيره من العلوم الأخرى، وطوال الطريق وهو يتحدث والرجل صامت ومنصت،فلما وصلوا وحان موعد الافتراق، قال له الرجل الصامت، شكرا لكلماتك الرائعة التي أمتعتني بها،فسأله الشاب عن اسمه، فقال: معك أخوك محمد الأمين الشنقيطي! يقول الشاب، فلما سألت عنه، وجدته عالما جهبذا له مصنفات وآراء في علوم شتى،يقول: فلازلت غارقا في خجلي ماحييت!
وكلنا يعرف قصة ابن عباس رضي الله عنهما في حديث النخلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحياؤه منعه من الإجابة لتقدم الآخرين عليه سنا0
والحمد لله من قبل ومن بعد0