تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الخطبة الشامية في عام 1325هـ (1907م) قدم مشروعًا إلى السلطان عبدالحميد الثاني، لإنشاء جامعة إسلامية في شرق الأناضول، أطلق عليها اسم «مدرسة الزهراء» ـ على غرار الأزهر الشريف ـ تنهض بمهمة نشر حقائق الإسلام وتدمج فيها الدراسة الدينية مع العلوم الكونية الحديثة. لكن جماعة من الحاشية أوغروا صدر السلطان على النورسي.

لما لم يجد عند السلطان مأموله، قصد إلى الشام في عام 1329هـ (1911 م)، والتقى رجالاتها وعلماءها. وبسبب ما لمسوا فيه من علم ونجابة، استمعوا إليه في الجامع الأموي الشهير وهو يخطب في الآلاف من المصلين خطبة حفظها لنا الزمن، واشتهرت في تراثه بـ «الخطبة الشامية». لقد كانت تلك الخطبة برنامجًا سياسيًا واجتماعيًا متكاملاً، شخّص فيها أمراض الأمة الإسلامية المادية منها والمعنوية:

أولاً: اليأس الذي يجد فينا أسبابه وبعثه.

ثانيًا: موت الصدق في حياتنا الاجتماعية والسياسية.

ثالثًا: حب العداوة.

رابعًا: الجهل بالروابط النورانية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض.

خامسًا: سريان الاستبداد، سريان الأمراض المعدية المتنوعة.

سادسًا: حصر الهمة في المنفعة الشخصية.

العالم والفارس لم يؤيد النورسي دخول الدولة الحرب العالمية الأولى، ولكن باندلاع الحرب كان طبيعيًا أن يهب بديع الزمان في طليعة المجاهدين، فشكل فرقًا فدائية من طلابه، واستمات معهم في الدفاع عن حمى الوطن في جبهة القفقاس، وجرح في المعارك ضد الروس، وأُسر (1334 هـ) واقتيد شبه ميت إلى «قوصتورما» من مناطق سيبيريا في روسيا حيث قضى سنتين وأربعة أشهر. ثم هيأ له الله أثناء «الثورة البلشفية» الإفلات، فعاد إلى بلاده (19 رمضان 1336/ 8 يوليو 1918) واستقبل استقبالاً رائعًا من قبل الخليفة وشيخ الإسلام والقائد العام وطلبة العلوم الشرعية، ومنح وسام الحرب. وكلَفته الدولة بتسلم بعض الوظائف، رفضها جميعًا إلا ما عينته له القيادة العسكرية من عضوية في «دار الحكمة الإسلامية»، التي كانت لا توجه إلا لكبار العلماء، فنشر في هذه الفترة أغلب مؤلفاته باللغة العربية منها: تفسيره القيم «إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز»، الذي ألفه في خِضَم المعارك، و «المثنوي العربي النوري».

وبعد دخول الغزاة إلى استانبول (13/ 11/1919) ـ استانبول هي القسطنطينية التي فتحت ببشرى النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم ـ أحس النورسي أن طعنة كبيرة وجهت إلى العالم الإسلامي، فكان حتمًا أن يقف في طليعة من يتصدى للقهر والهزيمة، فسارع إلى تحرير كتيب «الخطوات الست» حرك به همة مواطنيه، ووضع تصوره لرفع المهانة وإزالة عوامل القنوط. ست خطوات يتبعها أولياء الشيطان الغزاة للقضاء على العالم الإسلامي:

ü اقبلوا الهزيمة، لأنها قضاء الله العادل عليكم بما ظلمتم.

ü لقد تحالفتم من قبل مع الألمان، فلم ترفضون التحالف مع أمثالهم؟

ü أنتم متخلفون بالطبع المتأصل، فاتركونا ننهض بكم ونعلمكم وندير شؤونكم.

ü من يقاومنا مغرض منافق يسعى لمصلحته، ويلعب بالدين لأغراض سياسية، فلا تطيعوه ولا تثقوا به.

ü إن ولاة أموركم يؤيدوننا، فعليكم بطاعتهم في ذلك.

ü مقاومتكم لا فائدة فيها ولا جدوى منها، إنكم تلقون أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة، فاتركونا نركب ظهوركم.

استانبول المحتلة: كتب النورسي رسالة «الخطوات الست» ضد الإنجليز وأذنابهم، مما ساعد على إبطال مفعول الخطة الجهنمية للإنجليز. وما إن دخل القائد الإنجليزي استانبول حتى سُلمت له رسالة الخطوات الست، التي تهاجمهم بعنف وتفند أباطيلهم وتشد من عزائم المسلمين، وعُرض عليه نشاط بديع الزمان الدائب في فضح سياسة المحتلين وتأليب الناس عليهم، فقرر القائد الإنجليزي إعدام النورسي، (الحكم الثالث بإعدامه) ولكن عندما أُعلم أن هذا القرار سيثير غضب الأمة كلها ويزيد سخطها، وسيدفعهم إلى القيام بأعمال عدائية مهما كلفهم ذلك، تخلى عن قرار الإعدام، لكن سلطات الاحتلال لم تفتر عن ملاحقة النورسي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير