تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد حاول السقاف رد هذا الدليل أيضاً، فقال: (قال الجاحظ في ((الفتح)) (13/ 460) نافياً إثبات الصوت لله تعالى، وعدم دلالة الحديث على ذلك: ((ووقع فينادى مضبوطاً للأكثر بكسر الدال، وفي رواية أبي ذر بفتحها على البناء للمجهول، ولا محذور في رواية الجمهور، فإن قرينه قوله (إن الله يأمرك) تدل ظاهراً على أن المنادى ملك يأمره الله أن ينادي بذلك))). قلت: وليس الأمر كما ادعى الحافظ، فإن قوله (إن الله يأمرك) قد تحتمل الوجهين نعم، ولكن وردت قرينة هنا تدل على أن المنادي هو الله وهي:-جواب آدم للنداء بقوله: ((يارب وما بعث النار؟)) فإنه صريح الدلالة على أن المنادي هو الله، وليس الملك، إذ لو كان ملكاً، لما أجابه آدم بقوله: ((يارب …))، ولا يصرف النص عن حقيقته إلا بصارف صحيح. وصنيع البخاري يدل على ما ذكرناه، إذ أورد هذا الحديث في كتابه ((خلق أفعال العباد)) استدلالاً به على إثبات الصوت عقب إيراده حديث عبد الله بن أنيس في نفس الكتاب (ص:150 رقم:464).

وفيما ذكرناه كفاية في إثبات الصوت لله عز وجل وفي الرد على السقاف في نفيه ذلك، ولولا خشية الإطالة لأوردنا أكثر ما روي في هذا الباب من الأخبار.


(**********الجزء الرابع عشر **********)

إثبات الكلام بحرف لله تعالى والرد على السقاف في نفيه ذلك
كما حاول السقاف أن ينفي الكلام بصوت عن صوت الله سبحانه وتعالى، حاول أن ينفي عنه أيضاً الكلام بحرف، فقال في كتابه ((إلقام الحجر للمتطاول على الأشاعرة من البشر)) – رداً على عمر محمود صاحب ((الرد الأثري المفيد على البيجورى في شرح جوهرة التوحيد)) -: (حاول الكاتب أن يرد قول أهل السنة والجماعة: أن الله تعالى متكلم، وأن كلامه ليس بحرف ولا صوت ولا لغة، يعنون الصفة بذات المولى تبارك وتعالى، وأن هذه الألفاظ والكتابة كلها صارت عبارات دالة على الكلام الأزلى، وهو متعلق بعلم الله تعالى، فلا يوصف بالحدوث كصفة العلم).

قلت: ويرد هنا عدة اعتراضات على كلامه هذا: الأول: أن نفي الكلام بحرف عن الرب عزّ وجل ليس قولاً لأهل السنة والجماعة كما ادعى السقاف، وإنما هو قول الأشاعرة والماتريدية والكلابية ومن شابههم من أهل البدع. وأما أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم إمامهم الإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السلف – رضوان الله عليهم – فيثبتون الكلام بحرف للمولى عزّ وجل. قال الإمام عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث التميمى – رئيس الحنابلة في عصره – في كتابه ((اعتقاد الإمام أحمد)) - مخطوط – (ق: 52/ب): ((وكان يقول – أي الإمام أحمد -: إن القرآن كيف يصرف غير مخلوق، وإن الله تعالى تكلم بالصوت والحرف، وكان يبطل الحكاية ويضلل القائل بذلك)). وصنَّف الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده الأصبهاني كتاباً في إثبات الحرف، والرد على من ينفيه، سامه: ((الرد على من يقول: {ألم} حرف لينفي الألف واللام والميم عن كلام الله عز وجل)) (8).

وأما أدلة إثبات الحرف لله تعالى، فهي:
1 – حديث عبدالله بن عباس ? قال: بينما جبريل قاعد عند النبي ? سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه، فقال: ((هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، ولم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته)).
أخرجه مسلم (1/ 554)، والنسائي (2/ 138) من طريق: عمار بن رزيق، عن عبد الله بن عيسى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.
2 – حديث عبدالله بن مسعود – ? - قال: ((تعلموا القرآن، فإنه يُكتب بكل بحرف منه عشر حسنات، ويكفر عن عشر سيئات، أما إني لا أقول: {ألم} ولكن أقول: ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر)).
أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 118) بسند صحيح، واختلف في وقفه ورفعه، والأصح الوقف، وله حكم الرفع.
3 – قول ابن عباس – ? -: ((ما يمنع أحدكم إذا رجع من سوقه، أو حاجته، إلى أهله، أن يقرأ القرآن فيكون له بكل حرف عشر حسنات)).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير