تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (807) بسند جيد (9).

وأما السقاف: فيذهب إلى القرآن الذي نقرؤه مخلوق، وهو معبِّر عن كلام الله الأزلى. قال في كتابه ((إلقام الحجر)): ((أخبر المولى تبارك وتعالى الخلق أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذه العبارات المخلوقة – {يقصد القرآن الكريم} - المعبرة عن كلامه الأزلى الأبدى الذي ليس بحرف ولا صوت ولا لغة، كما أخبر أنهم عاجزون أن يخلقوا إنساناً بل بعوضه … .. وأن هذه الألفاظ المخلوقة باللغة العربية المنزلة على سيدنا رسول الله … ولو كانت قديمة لما كانت في كتاب حادث مخلوق ولما تصوّر مسها ولا كتابتها في اللوح المحفوظ الذي خلقه الله تعالى وأحدثه وأجرى القلم عليه بأشياء كثيرة).

قلت: هذا والله اعتقاد الجهمية ولكن بطريقة توهم القارئ بأنه مخالف له، ولنا مع هذا الكلام وقفه. فإنه قد استدل على كون القرآن الذي نقرؤه ونحفظه، ويسطر في المصاحف، ويحفظه الصبيان في الكتاتيب مخلوق!! – والعياذ بالله – بأنه لو كان قديماً لم يسطر في كتاب حادث، ولما تصور مس هذا الكتاب، ولا كتابته في اللوح المحفوظ المخلوق، وجوابنا عن هذا: بأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا في كتابه العزيز بتكليمه لموسى، فقال {وكلم الله موسى تكليماً} {النساء: 164} وقال له: {فاستمع لما يوحى} {طه: 13}. ((فدل هذا على أنه سمع كلام الله تعالى، ولا يسمع إلا الصوت، وربنا تعالى قد خاطبنا باللسان العربي الذي نفهمه، وليس فيه سماع يحصل من غير صوت (10)، فهو كلام مسموع بالآذان وليس من قبيل الإلهامات. فهل سماع موسى عليه السلام بأذنه الحادثة المخلوقة يمنع منكون كلام اله الذي تكلم به إليه قديم غير حادث؟! وقال تعالى لنبيه ?: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} {التوبة:6}. فوصف سبحانه وتعالى هذا القرآن الذي نتلوه بألسنتنا الحادثة، وتحفظه قلوبنا المخلوقة بأنه كلام الله، وأنه يا محمد إذا استجار بك أحد من المشركين فأجره حتى يسمع بأذنه – وهي مخلوقة – كلام الله سبحانه وتعالى الُمنزل إليك – غير المخلوق -، وإن كنا أثبتنا الكمال المطلق لله سبحانه، فلا يعزب عن قدرته أن يُسمع موسى المخلوق باذنه الحادثة كلام الله سبحانه الذي هو صفة من صفاته غير المخلوق، وإلا لو نفينا ذلك، لتناقض الإثبات مع النفي.

ولكن السقاف تأول هذه الآية، فقال: (وأما معنى قوله تعالى {فأجره حتى يسمع كلام الله} أي اتل عليه هذه الألفاظ التي خلقتها وعلمتك إياها، والتي تعبر عن كلامي الأزلى، والتي لم يصنفها أحد واتي تقرؤها بفمك الحادث، وتقرير ذلك في كتاب خلق أفعال العباد للإمام البخاري – رحمه الله تعالى -).

قلت: وهذا صرف لظاهر الكلام عن حقيقته، وهو التأويل المذموم الذي ذمه السلف، والذي نُهينا عنه، ثم تناقض هنا فقال في أول كلامه: ((أي اتل عليه هذه الألفاظ التي خلقتها) ثم قال بعد ذلك: ((والتي لم يصنفها أحد)). والأعجب من ذلك أن السقاف تمادى في تدليسه فأحال القارئ إلى كتاب ((خلق أفعال العباد)) للبخاري، وكأن البخاري يقول بمثل قوله!! وهاهو إمام رضي من أئمة السلف – رضوان الله عليهم أجمعين – يثبت أن هذا القرآن المثبت في المصحف، المتلو بالألسنة، المحفوظ في الصدور هو من كلام الله سبحانه غير حادث. هذا الإمام هو: سفيان بن عيينة – رحمه الله -.

قال الترمذي في ((الجامع)) (2884): حدثنا محمد بن إسماعيل – (وهو البخاري) – قال: حدثنا الحميدى، حدثنا سفيان بن عيينة – في تفسير حديث عبد الله بن مسعود قال: ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي – قال سفيان: لأن آية الكرسي هو كلام الله، وكلام الله أعظم من خلق الله من السماء و الأرض. وسند هذا الخبر صحيح. وفيه ما يدل على أن آية الكرسي من كلام الله – على الحقيقة – غير الحادث، بل الذي هو صفة من صفاته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير